لا توجد من الكلمات ما يمكن للمرء أن يصف بها ما يحدث في غزة، وما وصلت إليه مقتلة الاحتلال وإمعانه في قتل الأطفال والنساء وتدمير المنازل، فأحداث ساعة واحدة من القتل والتدمير والإبادة تفوق في هولها وبشاعتها قدرة البشر على وصفها، وتتجاوز حدود العقل والمنطق، بينما العالم لا يزال عاجزًا عن ردع هذه الدولة المارقة، مكتفيًا ببعض البيانات والتصريحات التي لا تقدم ولا تؤخر، بل أصبح يتعامل معها المحتل بسخرية واستهجان.
فقد بدا واضحًا أن إسرائيل ماضية بكل وقاحة وجرم نحو الاحتلال والتهجير في قطاع غزة، بل وتصفية القضية الفلسطينية برمتها، وفي سبيل ذلك تضع العراقيل أمام أية حلول أو تفاهمات من شأنها وقف إطلاق النار تحت أي ذرائع واهية وحجج زائفة، بل إن التيار المتطرف الذي يتولى زمام الحكم في هذا الكيان لم يُخفِ هذه النزعة الاستعمارية الدموية كل يوم.
وللأسف، فإن الشريك الأمريكي لهذا الكيان يقف خلفه على طول الخط لتنفيذ هذا المخطط الخطير وإن بدا يقوم بدور الوسيط.
ولعل إمعان المحتل في استخدام سلاح التجويع وإجبار السكان على النزوح من شمال غزة إلى جنوبها، وقصر توزيع المساعدات على مؤسسة تمولها إسرائيل وأمريكا بعيدًا عن النظام الذي وضعته الأمم المتحدة، يؤكد سوء نية المحتل ومعه أمريكا في إجبار السكان على الهجرة القسرية، فمع مرور الوقت وصعوبة الحصول على المساعدات، علاوة على الفوضى التي تحدث في توزيع المساعدات، كما حدث قبل أيام، كلها عوامل تؤشر على مخطط التهجير القسري للسكان، وهو ما يعلنه صراحة بعض الوزراء المتطرفين في حكومة نتنياهو.
لقد نجحت إسرائيل في أن تتخذ من قضية الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية ذريعة لتنفيذ مخططها، الذي كانت تحلم به منذ عقود، في توسيع حدودها على حساب الأراضي العربية، ويخطئ من يظن أن إسرائيل حتى لو تسلمت أسراها بلا مقابل يمكن أن تتوقف عن هذا المخطط.
ولا يمكن فصل ما يحدث في الضفة من هدم المنازل وفرض الأمر الواقع، وكان آخرها موافقة الكيان المحتل قبل أيام على بناء 22 مستوطنة جديدة على الأراضي العربية، عن هذا المخطط الذي يتمدد كل يوم نحو تصفية القضية الفلسطينية، وإسقاط مقترح حل الدولتين، فالتوسع في المستوطنات بالضفة الغربية واحتلال غزة يعني عمليًا استحالة تنفيذ مقترح حل الدولتين على الأرض.
المؤكد أن هذا الوضع الخطير الذي تحاول دولة الاحتلال فرضه على الأرض يتطلب تحركًا عربيًا وإسلاميًا حاسمًا لإجهاض هذا المخطط الذي يهدد الأمن القومي العربي، ولم تعد لغة الإدانة ولا بيانات الشجب والاستنكار تُجدي نفعًا مع عدو يخطط وينفذ على الأرض بكل دموية.
فقد بلغ هذا الكيان من البجاحة ما يجعله يمنع وفدًا وزاريًا قبل أيام من زيارة الرئيس الفلسطيني بزعم أنه يبحث حل الدولتين، والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل خرج وزير دفاع هذا الكيان بكل تبجح يتوعد الدول التي تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية ساخرًا من هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بقوله "إنه سيكون على ورق سيلقى في سلة المهملات"، بينما إسرائيل ستعمل على أرض الواقع في توسيع دولتها!!
ألا من تحرك يمنع مخطط التصفية، وينقذ غزة، ويحقن دماء هذا الشعب، الذي يعاني القهر وكل وسائل التعذيب على مدى عقود؟
[email protected]