كل يومٍ، بل كل دقيقةٍ، أو ربما أقل، نسمع عن أشخاصٍ انتهت أعمارهم على حين غِرَّة، ورحلوا إلى بارئهم، ولم يكونوا على استعدادٍ؛ فموت الفُجأة أصبح سمة العصر، ويأتي بلا سابق إنذارٍ، وبدون شيخوخةٍ أو مرضٍ أو أعذارٍ.. فالإنسان منا يخرج من بيته وأهله صحيحًا سليمًا؛ فلا يعود، أو ربما ينام فلا يستيقظ.
حقيقةً، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم وصدق، موت الفجأة من علامات وأمارات الساعة: "إنَّ من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة". (رواه الطبراني وغيره، وحسنه الألباني)، وكما قال تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34].
ولا شك "أن كل امرئٍ مُصْبِحٌ في أهله، والموت أدنى من شِراك نعله"، فهل نحن قمنا بالاستعداد لهذا الزائر المفاجئ؟ رغم وجود موت الغفلة، إلا أننا ما زلنا في غفلةٍ، نرى الموت يتخطف من هم حوالينا فلا نتعظ، ننشغل بالدنيا وملذاتها، نفكر في المستقبل القريب والبعيد، ولا نفكر في أقرب ما يكون إلينا حتى يأتينا الزائر الأخير ملك الموت، ذلكم الشخص الغريب الذي ما رأينا وجهه قبل ذلك ولن نراه إلا يوم نغادر الدنيا مودعين أحبابنا وأهلينا وذوينا، فنلتفت إليه ونقول له: من أنت، وماذا تريد؟ فيقول: أنا ملك الموت، أنا هادم اللذات…
أسباب موت الفجأة
ورغم أننا موقنون أن موت الفجأة هو قدر الله، إلا أن حدوثه له أسباب ظاهرة، فمن الناحية العلمية والعملية لا بد أن نشير هنا أنه مع انتشار موت الفجأة، لاسيما في سن الشباب، يتساءل البعض هل هناك سببٌ علميٌ على الرغم من أن ذلك قدر رباني؟
العلماء يؤكدون أن الأسباب تعددت والموت واحد، ولكن هناك أسبابٌ عدةٌ أدت إلى حدوث حالات الوفاة، منها الجلطات الدماغية، والأزمات القلبية؛ ففي مصر تزايد بشكلٍ كبيرٍ، علاوةً على عدم علاج الجلطات بشكلٍ سليمٍ، مشيرين إلى زيادة الوفيات بجلطات القلب الفجائية في مصر بشكلٍ مزعجٍ، فلا يكاد يمر يومٌ دون أن نسمع عن حالة وفاة مفاجئة به، وفي سنٍ صغيرةٍ جدًا.
بسبب التدخين: سواء السجائر أو الشيشة، فالتدخين يدمر الغشاء الواقي لشرايين القلب والأطراف، ونسبة الكوليسترول في الدم، ومعظم المصريين لا يعرفون نسبة الكوليسترول في دمهم، علاوةً على ارتفاع ضغط الدم: فرغم ارتفاع نسبة المصابين بارتفاع ضغط الدم في مصر، لاسيما مع تراكم الضغوط النفسية التي تزيد من فرص الإصابة، وكذلك مرض السكر من النوع الثاني الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجلطات القلب والمخ، خاصةً عند عدم انتظام السكر، وزيادة التراكمي على نسبة 7%. والغذاء الخاطئ: وهذه الأطعمة التي يفرط فيها المصريون مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بجلطات القلب والمخ، مثل المشروبات الغازية، والحلويات، والعصائر، والزيوت المهدرجة، والوجبات السريعة، مع قلة الحركة والرياضة وقلة النوم والسمنة.
الاستعداد للرحيل
وبلا مبالغةٍ فنحن بحاجةٍ لوقفةٍ مع النفس قبل أن يحضر الأجل، قال تعالى: (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: 34].
علينا أن نكون مستعدين دائمًا للقاء الله عز وجل في أي لحظةٍ، قبل مجيء هذه اللحظة: (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق:19]، وفي ذلك الحين نتمنى العودة للدنيا لعمل الصالحات، حيث ينتزع ملك الموت الروح وتبدأ السكرات والزفرات، ولا تنفع حينئذٍ الآهات وتخرج الروح من الجسد: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) [القيامة: 26].
يوم عرفة
وفي ظل هذه الأجواء الربانية والأيام الكريمة وتكبيرات الحجيج ويوم عرفة، علينا أن نقف مع أنفسنا لنعيد الحسابات مع الله ومع الناس، لنتصافح ونتسامح قبل أن يأخذنا الزائر الأخير لمثوانا الأخير من الدنيا، ثم بعدها قبرٌ وسؤالٌ وبعث ونشور، وصراط وميزان وعرض وحساب وجنة أو نار، علينا أن نكون مستعدين لهذا الزائر المفاجئ، وأن نعود إلى أنفسنا ونحاسبها ونراقبها، ونرجع إلى ربنا ومولانا فنستغفر ونتوب: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].
(كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور) [البقرة: 185].
فضل يوم عرفة
كما علينا أن نستغل هذه الأيام الفضيلة عند الله، المضاعف أجرها، فلربما لا نلحقها مرة أخرى، ومن أعظم هذه الأيام أيام العشر التي نعيشها، وفيه أفضل أيام الدنيا يوم النحر وقبله يوم عرفة، فصيامه يكفر ذنوب عام سابق وعام لاحق، وعلينا أن نستشعر صورة الحجيج الذين ذهبوا طامعين في المغفرة من الله عز وجل، خاصةً أن هذه الأيام شرفها الله تعالى وفضلها، لاسيما يوم عرفة، يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار ويوم إكمال الدين وإتمام النعمة، وبإتمام الدين تنتصر السُنة، وتقهر المعصية وتدحض البدعة، ولا يرى يومٌ عند الله أكثر من أن يعتق الله فيه خلقًا كثيرًا من النار، ولا يرى يومٌ من أيام الله يرى فيه الشيطان أدحر ما يكون وأصغر وأحقر ما يكون لما يراه من سعة رحمة الله بعباده، حتى لقد جاء في الخبر كما روت أم المؤمنين عائشة: إن الشيطان ليطمع أن تطاله رحمة الله في يوم عرفة لما يرى من عفو الله ورحمته وعتقه وعفوه لعباده.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ)) وفي رواية: ((إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، قَدْ أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ)).
ختامًا
فعلينا أن نستغل يوم عرفة ونستعد ليوم الرحيل، ونفعل كما يفعل الحجاج، تقبل الله منهم أداء المناسك، والصلاة، وقراءة القرآن، والتكبير والتحميد والتهليل، والدعاء والاستغفار، وسائر العبادات، وأرجعهم لديارهم آمنين مطمئنين مغفورًا ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، ورزقنا الله وإياكم حج بيته الحرام وغفر لنا الذنوب والمعاصي والآثام ورزقنا وإياكم حسن الختام.