حرب المياه بين الهند وباكستان

1-6-2025 | 14:47

يبدو أن أهمية المقولة الشهيرة: "إن صوتك لن يصل إلا بقدر ما تصل إليه طلقات مدفعك"، والتي تؤكد أهمية القوة العسكرية في المفاوضات، قد تراجعت بصورة واضحة في السنوات الأخيرة، خاصة بعدما شهدته الحروب من تغيير كبير في المفاهيم. 

لم تعد القوة العسكرية هي العامل الحاسم في نزاعات الدول المتعددة، بل أصبحت هناك عوامل أخرى في مقدمتها "حرب المياه"، والتي أثبتت الحرب الأخيرة – الشهر الماضي – بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان أن حرب المياه أقوى عشرات المرات من أصوات المدافع وانفجارات القنابل في البلدين، وبالتالي تعظيم أهمية وقيمة ما يمكن أن نطلق عليه "دبلوماسية الموارد".

فعلى الرغم من توصل البلدين إلى اتفاق وقف إطلاق النار -بوساطة أمريكية- وصمت أصوات البنادق على الحدود بينهما، إلا أن الهند ما زالت متمسكة -حتى الآن- بتعليق العمل باتفاقية تقاسم مياه نهر السند بين البلدين، والسعي لتوظيف "المياه" كأداة لممارسة ضغوط كبيرة على إسلام آباد، خاصة أن التداعيات على باكستان ستكون خطيرة كونها دولة مصب، وحيث يوفر حوض نهر السند نحو 80 بالمئة من الزراعة التي تعتمد على الري في باكستان، وهو قطاع يمثل قرابة 25 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي ويستوعب 65 بالمئة من القوة العاملة، ويشكل الإنتاج الحيواني مصدر الدخل الأساسي لنحو 8 ملايين أسرة ريفية، في حين تسهم الثروة الحيوانية بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي لباكستان.

ورغم وجود عدد كبير من الأنهار بين البلدين، إلا أن نهر السند هو أهم تلك الأنهار وأطولها، والذي يبلغ طوله 3190 كيلومترًا، وينبع من الهند ويصب في باكستان. أدت معاهدة مياه نهر السند عام 1960، والتي توسط فيها البنك الدولي، إلى تنظيم استغلال المياه المشتركة بين الهند وباكستان، حيث منحت باكستان حق استخدام 3 أنهار غربية (نهر السند، نهر تشيناب، نهر جيهلوم)، ومنحت الهند حق الاستفادة من 3 أنهار شرقية (نهر رافي، نهر بياس، نهر سوتلج). 

وتهدف المعاهدة إلى إدارة واستغلال موارد الأنهار بشكل سلمي بين الدولتين، وقد قسّمت مياهه ومياه روافده بين الدولتين، واشترطت إنشاء "لجنة السند الدائمة"، التي تضم مفوضًا عن كل بلد، وتجتمع سنويًا، بهدف ضمان استمرار قنوات الاتصال والعمل على حل أي قضايا تتعلق بتنفيذ الاتفاقية، وحددت آلية تسوية النزاعات.

ولذا فإن مخاوف القيادة السياسية في باكستان جاءت من تعليق نيودلهي العمل باتفاقية نهر السند أكثر من مخاوفها من استمرار الحرب العسكرية المباشرة بينهما؛ حيث قال رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف: "إذا قطعت الهند عنا المياه فستسيل الدماء"، في إشارة واضحة إلى أن المساس بمسألة المياه هو بمنزلة إعلان حرب. 

بينما قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إن باكستان لن تحصل على مياه الأنهار التي تتمتع الهند بحقوق استخدامها، في تصعيد جديد للموقف.

والمؤكد أن معاهدة "نهر السند" تعد ركيزة أساسية في العلاقات بين الهند وباكستان، ورقمًا صحيحًا في معادلة صعبة ومعقدة للتعاون بين البلدين؛ حيث صمدت لسنوات طويلة وسط حروب ومناوشات متعددة، وأي مساس بها سيؤدي إلى تأجيج الموقف وزيادة التوتر، بل واندلاع حرب إعلامية ضخمة بين الجانبين قد تتحول إلى حرب عسكرية في واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، خاصة إذا قامت الهند ببناء عدد من سدود التخزين على نهر السند لتقليل وصول كميات المياه طبقًا للاتفاقية إلى باكستان؛ حيث إن اتفاقية نهر السند تمنع الهند من القيام بذلك. 

ولكن حال قيام نيودلهي بتعليق المعاهدة، يمكن لها أن تعلق عمليات تنظيف الطمي، وبالتالي وقوع أضرار كبيرة للمجرى المائي مما يعرض باكستان لخطر الفيضانات وحالات الجفاف في عدد من المناطق.

ويقينًا فإن الهند تدرك تمامًا خطورة التلويح باستخدام "المياه" كورقة ضغط سياسي وشعبي على حكومة إسلام آباد، وفي نفس الوقت فإن باكستان تعي تمامًا ضرورة التصدي لتلك الخطوة التي من الممكن أن تؤدي إلى انفجار الموقف من جديد بين البلدين في تصعيد لا يعلم أحد إلى أي نقطة ممكن أن يصل، ولا إلى أي نقطة ممكن أن يتوقف.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: