تحتفل مصر مايو الجاري بمرور 10 سنوات على إطلاق برنامج الحماية الاجتماعية الرائد "تكافل وكرامة". في حوار خاص مع "أهرام أون لاين"، يفتح ستيفان جمبرت، المدير الإقليمي للبنك الدولي في مصر وجيبوتي واليمن، أبواب التعاون الدولي في دعم برامج الحماية الاجتماعية.
موضوعات مقترحة
يُعد برنامج "تكافل وكرامة" أحد أبرز المشاريع التي تقدم الدعم للفئات الأكثر احتياجًا في مصر، وقد ساهم في تحسين حياة ملايين الأسر المصرية. يكشف جمبرت في هذا الحوار عن دور البنك الدولي في تطوير هذا البرنامج، ويستعرض التحديات والفرص التي تواجهه، فضلًا عن جهود الشمول الاقتصادي وزيادة فرص العمل. تفاصيل مثيرة تنتظرنا حول كفاءة هذا البرنامج وكيفية تأثيره على مستقبل التنمية في مصر.
أهرام أون لاين: بالإضافة إلى التحويلات النقدية، كيف يسعى برنامج "تكافل وكرامة" إلى تحسين الظروف المعيشية للفئات الأولى بالرعاية في مصر؟
ستيفان جمبرت: يُعتبر برنامج "تكافل وكرامة" من أكثر البرامج فعالية من حيث التكلفة لدعم الأسر الأكثر احتياجًا والأولى بالرعاية في مصر، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الحالية. يتميز البرنامج بكفاءته، وقد ساهم استخدام المدفوعات الرقمية عبر بطاقات "ميزة" في تعزيز فعاليته، كما عزز الشمول المالي وكفاءة الاستهداف مستوى الشفافية بشأنه. تُسهم أنظمة التواصل والتوعية المجتمعية، وآليات تلقي الشكاوى والتظلمات والبت فيها، في تعزيز شفافية البرنامج، حيث تم التعامل مع حوالي 6 ملايين استفسار وشكوى، بنسبة استجابة بلغت 99.8%.
بالإضافة إلى ما سبق، يقدم البرنامج مجموعة أوسع من الأنشطة والتدخلات التي تهدف إلى تعزيز رأس المال البشري، والتي نطلق عليها "إجراءات كاش - بلس". تجمع هذه الأنشطة والإجراءات بين المساعدات النقدية والدعم التكميلي. يمكن للمستفيدين من البرنامج الحصول على مجموعة متنوعة من الخدمات، مثل الإعفاء من الرسوم الدراسية، والحصول على بطاقات التموين، ودعم الخبز، والتأمين الصحي. كما تقوم وزارة التضامن الاجتماعي، من خلال الأخصائيين الاجتماعيين، بمتابعة الأسر المستفيدة وتقديم جلسات توعية وتواصل تهدف إلى تغيير السلوكيات المتعلقة بالزواج المبكر والتعليم والنظافة الصحية والصحة وحقوق المرأة، وغيرها من الموضوعات.
على مدار السنوات العشر الماضية، تخرج أكثر من 3 ملايين أسرة من برنامج "تكافل وكرامة" بفضل تحسن أوضاعهم المعيشية. ورغم أن هذا يُعد إشارة مشجعة وباعثة على التفاؤل، فإنه يذكرنا بالحاجة المستمرة للتكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الملحة وتحديات الفقر المتزايدة. وللتخفيف من الآثار الناتجة عن الصدمات الاقتصادية، يجب توسيع مظلة البرنامج لتشمل المزيد من الأسر، مع الحفاظ على القيمة الحقيقية للدعم في مواجهة التضخم.
بمعنى آخر، برنامج "تكافل وكرامة" ليس مجرد برنامج للتحويلات النقدية، بل هو برنامج وطني للتنمية البشرية، ونعتبره من أنجح نماذج الحماية الاجتماعية.
أهرام أون لاين: على أي نحو يمثل برنامج "تكافل وكرامة" برنامجًا للحماية الاجتماعية واسعة النطاق وتعزيزًا لرأس المال البشري؟
ستيفان جمبرت: بفضل السجل الاجتماعي القوي لوزارة التضامن الاجتماعي، والذي يغطي نحو 12 مليون أسرة، يقوم برنامج "تكافل وكرامة" بمتابعة وتعزيز السلوكيات التعليمية والصحية، حيث يواظب ما لا يقل عن 83% من الأطفال في سن الدراسة على نسبة حضور تبلغ 80% من أيام الدراسة، كما تتردد 65% من الأمهات على المراكز الصحية بانتظام لمتابعة أطفالهن حتى سن السادسة.
يُسهم السجل الاجتماعي الموحد لبرنامج "تكافل وكرامة" في تعزيز البرامج الحكومية الأخرى، مثل الرعاية الصحية والمساعدات الطارئة، مما يجعله ركيزة لسياسات الحماية الاجتماعية واسعة النطاق. يعتمد البرنامج على استهداف مستند إلى البيانات، حيث يتم اختبار قياس مستوى الدخل بوسائل غير مباشرة والتحقق منه من خلال الزيارات المنزلية لضمان الدقة والعدالة في تقديم الدعم.
يصل نطاق التغطية على المستوى الوطني الآن إلى 4.7 ملايين أسرة نشطة، أي ما يعادل 17 مليون مواطن، وهو ما يمثل حوالي 20% من إجمالي الأسر في مصر. تتيح البنية التحتية الرقمية، التي تشمل أكثر من 3 آلاف مكتب وأنظمة وطنية متكاملة تعتمد على بطاقات الرقم القومي، إجراء تحديثات فورية لمتابعة المستفيدين وتحسين استهدافهم.
ستيفان جمبرت المدير الإقليمي للبنك الدولي في مصر
أهرام أون لاين: كيف أسهمت مشاركة البنك الدولي في تصميم برنامج "تكافل وكرامة" وتنفيذه وفاعليته بشكل عام؟
ستيفان جمبرت: يفخر البنك الدولي بدعمه المتواصل لبرنامج "تكافل وكرامة" في جميع مراحله، حيث خصص البنك الدولي أكثر من 1.4 مليار دولار للبرنامج على مدار السنوات العشر الماضية، منها 400 مليون دولار في عام 2015، و500 مليون دولار في عام 2019، و500 مليون دولار في عام 2022. ساهمت هذه الاستثمارات في توسيع نطاق البرنامج، وتحديث أنظمة الدفع، والاستجابة للصدمات مثل جائحة كورونا. كما شملت المساعدة الفنية التي قدمها البنك الدولي تصميم السجل الاجتماعي، والتحول الرقمي، وتتبع شروط الاستحقاق ومدى تطبيقها، وأنظمة تلقي الشكاوى والتظلمات والبت فيها.
قام البنك الدولي أيضًا بدعم إجراء تقييمات صارمة لتقييم أثر البرنامج، والتي كشفت أن برنامج "تكافل وكرامة" ساهم في الحد من معدلات الفقر المدقع، وزيادة استهلاك الأسر، وتحسين مستوى تغذية الأطفال، ورفع معدلات الالتحاق بالمدارس. وباعتباره أيضًا بنكًا للمعرفة، قام البنك الدولي بدعم جهود تبادل الخبرات والمعارف بين البلدان، وتسهيل تبادل المعارف لمشاركة مسيرة "تكافل وكرامة" الناجحة مع العديد من البلدان؛ مثل الأردن والعراق والسودان واليمن والجابون.
أسهم التمويل المشترك من شركاء التنمية، مثل الصندوق الاستئماني للشراكة الإستراتيجية للنمو الشامل في مصر التابع للمملكة المتحدة، في تعزيز المشاركة والتعلم. وساهم الصندوق الاستئماني أيضًا في تصميم وتعميم ابتكارات، مثل نموذج تقييم الإعاقة، والإجراءات التدخلية "كاش بلاس" الخاصة بالأطفال والشباب.
أهرام أون لاين: هل يمكن أن توضح كيف تتكامل عمليات الإقراض التي ينفذها البنك الدولي مع مساعدته الفنية وسياسته لدعم برنامج "تكافل وكرامة"؟ وكيف تتضافر هذه الأدوات والوسائل لتحقيق أهداف البرنامج؟
ستيفان جمبرت: أسهم الدعم المالي الذي يقدمه البنك الدولي في توسيع نطاق تغطية برنامج "تكافل وكرامة"، إلا أن استمرار التعاون على المستويين الفني والسياساتي هو الذي ضمن الاستجابة والتكيف مع تطور الاحتياجات وتغيرها. ركز الدعم الفني الذي قدمه البنك على تعزيز قدرات العاملين الميدانيين، وميكنة تقديم الخدمات، وتحسين تحليلات البيانات لاتخاذ القرارات، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى توجيه تطور البرنامج وتكيفه مع الاحتياجات المتغيرة. على مستوى السياسات، قام البنك الدولي بنشر مراجعة للإنفاق العام على التنمية البشرية لتسليط الضوء على الإصلاحات الفعالة من حيث التكلفة والتأثير الملموس في مجال الحماية الاجتماعية. كما نعمل على إجراء مراجعة لرأس المال البشري وإعداد تقرير اقتصادي خاص بمصر، يبرز حاجة البلاد لتوفير المزيد من فرص العمل من خلال القطاع الخاص، مع التركيز على ضرورة الاستثمار في رأس المال البشري، خاصة للأسر الأكثر احتياجًا.
عمل البنك الدولي أيضًا بشكل وثيق مع وزارة التضامن الاجتماعي لترسيخ الممارسات الجيدة في الحوكمة، مثل التحقق من القياسات الحيوية، وعمليات المراجعة الخاصة بتحديد المستحقين واستهدافهم، فضلًا عن إنشاء لجان المساءلة المجتمعية وتفعيل دورها. تميزت هذه الشراكة بتجددها والاستجابة للتطورات، حيث أتاحت تحويلات نقدية إضافية في حالات الطوارئ إبان جائحة كورونا، وذلك على سبيل المثال، كما أنها أسهمت في توسيع نطاق برنامج "فرصة" (المكون الخاص بالتمكين الاقتصادي).
أسفر دمج التمويل والمعرفة من البنك الدولي عن تحويل الموارد إلى تدخلات فعّالة وقابلة للتوسع، تعتمد على الأدلة والشواهد لتحقيق تأثير ملموس.
أهرام أون لاين: بالنظر إلى تطورات المشهد الاقتصادي والاجتماعي في مصر، ما هي برأيكم أبرز التحديات والفرص التي تواجه برنامج "تكافل وكرامة" في تعزيز سبل كسب العيش وفرص الشمول الاقتصادي للفئات الأكثر احتياجًا والأولى بالرعاية؟
ستيفان جمبرت: تتمثل التحديات الرئيسية في ارتفاع معدلات التضخم، وتقلص فرص العمل في القطاع الرسمي، والتفاوتات بين المناطق، خاصة في صعيد مصر الذي يستحوذ على 67% من تحويلات برنامج "تكافل وكرامة". ومع تأثير التضخم على القيمة الحقيقية لهذه التحويلات، يصبح من الضروري تحقيق التوازن في مستوياتها للحفاظ على الأثر المطلوب. كما تحد القيود المجتمعية وأعباء الرعاية المنزلية من مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية، رغم أنها تمثل 74% من حاملي بطاقات البرنامج.
رفعت الحكومة مخصصات تمويل برنامج "تكافل وكرامة" بنسبة 35% للسنة المالية الجديدة، لتصل إلى 54 مليار جنيه، وهو أمر بالغ الأهمية. ومع زيادة المرونة في الموازنة العامة للدولة، يظل برنامج "تكافل وكرامة" أحد أكثر الاستثمارات كفاءة في دعم الأسر الأكثر احتياجًا، التي يتعين مواصلة دعمها.
توفر نظم البيانات الخاصة ببرنامج "تكافل وكرامة" والبنية التحتية المتاحة في المجتمعات المحلية فرصًا لربط الأسر بالبرامج التي تهدف إلى التمكين الاقتصادي في جميع المناطق والمدن والقرى. ومن بين هذه البرامج، يأتي برنامج "فرصة" الذي أُطلق في عام 2020، واستفاد منه أكثر من 26 ألف مواطن حتى عام 2023، حيث قدم مسارات لفرص العمل والتشغيل، ودعم المشروعات متناهية الصغر، بالإضافة إلى التدريب.
هناك حاجة إلى المزيد من الإجراءات التدخلية لتحقيق التمكين الاقتصادي، ويمكن تحقيق ذلك بشكل رئيسي من خلال التعاون مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات التمويل متناهي الصغر. هذا التعاون ضروري لتوفير مسارات قابلة للتوسع لكسب العيش، وتوفير فرص العمل وريادة الأعمال للأسر المستفيدة من برنامج "تكافل وكرامة". كما تُسهم المنصات الرقمية والأدوات المالية، مثل نظام بطاقات "ميزة" والتكامل المحتمل للمعاملات المصرفية عبر الهاتف المحمول، في توفير قنوات قابلة للتوسع لتحقيق التمكين الاقتصادي.
أهرام أون لاين: في المرحلة المقبلة، كيف يتطور برنامج "تكافل وكرامة" لتلبية الحاجة الملحة للشمول الاقتصادي وخلق فرص العمل للمستفيدين منه؟ وما هي الإستراتيجيات أو المكونات الجديدة التي يجري النظر فيها؟
ستيفان جمبرت: يمر برنامج "تكافل وكرامة" حاليًا بمرحلة تحول نحو نهج يعتمد على مساعدة المستفيدين على الخروج من دائرة الفقر، بحيث لا يقتصر دوره على تقديم مبالغ نقدية للمستفيدين فقط، بل يمتد ليشمل تزويدهم بالأصول الإنتاجية وبرامج التدريب والتوجيه لدعمهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي. يلعب صندوق دعم الصناعات الريفية، الذي أُعيدت هيكلته في عام 2024، دور الذراع التمويلي للمشروعات الريفية والزراعية متناهية الصغر للمستفيدين من البرنامج، مع التركيز بشكل خاص على المرأة والشباب. تشمل خدمات الصندوق تقديم الدعم المالي وغير المالي، مثل التدريب على ريادة الأعمال، ودراسات الجدوى، وتسهيل الوصول إلى الأسواق.
يضمن القانون الجديد للحماية الاجتماعية (الصادر في عام 2025) الاستدامة المالية لبرنامج "تكافل وكرامة" ويوسع نطاقه ليشمل المساعدات المؤقتة أو الطارئة.
يجدر النظر إلى برنامج "تكافل وكرامة" ليس فقط كشبكة أمان اجتماعي، بل كاستثمار في تعزيز قدرة الفئات الأولى بالرعاية على مجابهة التحديات الاقتصادية. يجب أن يتكامل هذا البرنامج مع سياسات سوق العمل من خلال تنفيذ برامج لتوفير فرص العمل للفئات الأولى بالرعاية وتحقيق النمو والقدرة على الصمود. في النهاية، توفر الوظائف الجيدة ما تحتاجه الأسر من دخل كافٍ وكرامة إنسانية وقدرة على مواجهة صدمات الحياة.
يمكن لبرامج مثل التدريب المهني وخدمات التوظيف ودعم ريادة الأعمال أن تُسهم في تحسين المهارات وزيادة فرص التشغيل وتوفير فرص عمل مستدامة. هذا النهج الشامل لا يقتصر فقط على ضمان حماية الفئات الفقيرة والأكثر احتياجًا والأولى بالرعاية، بل يهدف أيضًا إلى تمكينها من الإسهام في النمو الاقتصادي والاستفادة من ثماره، مما يعزز سوق عمل أكثر شمولًا للجميع وقدرة على الصمود.
مع انتقال مصر من مرحلة "شبكات الأمان" إلى "التمكين"، نعمل مع الحكومة وشركائنا في التنمية لضمان أن برنامج "تكافل وكرامة" لا يقتصر فقط على حماية المستفيدين، بل يُسهم أيضًا في تمكينهم من تحقيق دخل مستدام. نحن ندعم الحكومة في تعزيز توجهاتها وسياساتها المعلنة فيما يتعلق بالنمو الذي يقوده القطاع الخاص، وهو نموذج نمو يتسم بالديناميكية والشمول والاستدامة.