في نهايات القرن التاسع عشر، وبالتحديد في عام 1894م، وفي عصر الخديو عباس حلمي الثاني، نشرت الصحف المصرية، ومنها مجلة "المقتطف" تقريرًا عن كنوز دير سانت كاترين، التي تحوي مكتبة مهمة تضم آلاف المخطوطات والوثائق، وأقدم الأناجيل والتوراة، والكتب العلمية والأدبية والعلمية، وقصاصات من ورق الغزال المكتوبة بلغات شتى منها السيريانية والحميرية والخط المسند.
موضوعات مقترحة
وكشفت مجلة "المقتطف"، في عنوان بارز بعنوان "كنوز سيناء أو الكتب العربية"، أن الكتابات الدينية المكتوبة باللغة السريانية قد حوت قطعة من المزامير (سفر مزامير داود الملك بالعهد القديم) سطر منها عربي وسطر سيرياني، وهو من المزمور السادس والأربعين حيث حوت الكتابات "إذ يرفع الحروب من أقاصي الأرض" و"الأتراس يحرق بالنار ثابروا"، "ناصرنا الله يعقوب"، بخلاف قراطيس من ورق الغزال عليها كتابات عربية دينية غير قديمة العهد، حيث محيت الكتابات عمدًا وكتب عليها كلام آخر.
تاريخ سانت كاترين
وتم بناء دير سانت كاترين لطائفة الروم الأرثوذكس في عصر الإمبراطور يوستنياس سنة 527م وجعله حصنًا منيعًا لمنع هجمات وإغارة البدو على الرهبان، وبقي الدير حصنًا منيعًا وحفظ فيه المسيحيون ما كان عندهم من نفائس الكتب للأناجيل والتوراة والكتب العلمية والأدبية المكتوبة بلغات السينائية القديمة والسريانية والحميرية والآرامية، وإنجيلًا كتبه مجهول بلغة شبيهة بالعبراني والسرياني.
المكتبة كانت ولا زالت تعد أهم مكتبة قبطية على مستوى العالم من حيث احتوائها على مخطوطات نادرة بعد مكتبة الفاتيكان، وتم سلب الكثير منها ووضعها في متاحف ومكتبات العالم في أزمنة سابقة.
وكانت تحوي المكتبة قبل الغزو العثماني لمصر أهم مخطوط إسلامي في العالم، وهو المخطوط المعروف بالـ(عهدة النبوية) المحفوظة صورة منها بمكتبة دير سانت كاترين، والذي يحتمل أنه يعود للنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند غزوه لمصر 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية، وهي العهدة التي يرجح أن يكون قد أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسيحيين طبقًا لتعاليم الإسلام السمحة، وفيها أمان كامل للمسيحيين على أموالهم ومقدساتهم وأملاكهم وحريتهم الشخصية وحرية العقدية.
وبها أمر من النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين كافة بعدم التعدي على المقدسات المسيحية وحمايتها والمعاونة في ترميمها والمعاملة الحسنة الطيبة للمسيحيين، ودفع الأذى عنهم وحمايتهم، واعتبر هذا سنة عن الرسول الكريم ومن يخالف ذلك تستوجب عليه اللعنة، حسب الوثيقة.
في عام 1859م استطاع قيصر روسيا الحصول على عدة كتب مكتوبة باللغة السينائية القديمة، من أقدم الأناجيل والتوراة، بمساعدة العالم تشندروف الجرماني، ووضعها في مكتبة بطرسبورج، كما تؤكد "المقتطف"، لافتة إلى أن الكتابات تضم أشكالًا متعددة من الكتابات التي وجدت في المكتبة، مؤكدة أن هناك أشكالًا قريبة من الخط الكوفي، كما قدمت عدة نماذج من كتابات الأناجيل، مؤكدة أن الكتابات التي نشرها العالم غروت لا تقتصر على كتابات من الخط العربي فحسب، والخط الكنسي في الكتابات الدينية، بل توجد كتابات علمية وطبية وفلكية.
قال الكتاب الطبي المتواجد في مكتبة سانت كاترين العريقة إنه لا سبيل إلى إنبات الشعر في الصلع الطبيعي؛ "لأن ذلك يكون من سبب طبيعي تغلب على مزاج الدماغ ومادة الرأس" أما الورقة الأدبية التي وجدت فيه فمكتوب عليها "أيها الأنسان إذا لقيت ربك وحذرت الطريق المؤدية إلى الشر لم تقع في الشر".
وتضم مكتبة سانت كاترين، كنوزًا معرفية مهمة، كانت "بالأبجدية السينائية أو البروتوسينائية التي كانت مزجًا بين اللغة الهيروغليفية والكتابات السامية؛ حيث كانت الأبجدية السينائية المصرية القديمة هي أصل اللغات العروبية، وهي لغات الشرق الأدنى ومنها اللغة السيريانية التي إلى الآن منتشرة في كنائس سورية، والتي كانت تضم المكتبة كتابات بلغتها.
ترميم وزارة السياحة والآثار لمكتبة دير سانت كاترين
قامت وزارة السياحة والآثار بترميم مكتبة دير سانت كاترين التى تضم على ما يربو 6 آلاف مخطوطة أثري أبرزها إنجيل قديم، والعهدة المحمدية، التي جمعتها سويًا جدران ذلك المبنى الأثري.
شملت أعمال ترميم مكتبة الدير، وتتضمنت ترميم واجهة المكتبة وتطويرها من الداخل، كما تضمنت تطوير النصف الشرقي من مبنى المكتبة كمرحلة أولى، ورفع كفاءة التوظيف المعماري لبعض واجهات المبنى، وتدعيم وترميم سور جاستنيان (والذي يعود للقرن السادس) كما تم ترميم منظر فسيفساء التجلي بالكنيسة الرئيسية بالدير، بتكلفة مليوني دولار، وذلك فى حضور عدد من سفراء الدول الأوربية.
وتم الكشف من خلال الترميم على مخطوط جديد، ينتمي إلى المخطوطات المعروفة باسم بالميسست، ويتضمن هذا المخطوط أجزاء من نصوص طبية يونانية قديمة، يعود تاريخها إلى القرن الخامس أو السادس الميلاديين، وهذه النصوص تتضمن أجزاء من بحث الطبيب العظيم هيبوقراط، بالإضافة إلى ثلاثة نصوص طبية.
أما فسيفساء التجلي فهي من أقدم وأجمل الفسيفساء في الشرق، حيث إنها تعود إلى القرن التاسع الميلادي، وتغطى مساحة تقدر بـ 46 مترًا مربعًا، و قد استخدمت فيها أحسن المهارات التقنية والإبداعية وزينت من قطع صغيرة مطلية بمواد ثمينة كأوراق الذهب والفضة.
وأعمال الترميم للفيسيفساء قام بها مجموعة من الخبراء الإيطاليين على رأسهم الخبير "ناردي جوفياني"، وتحت إشراف آثاريي الوزارة ومهندسي ومرممي قطاع المشروعات.
ودير سانت كاترين، يتفرد بمكوناته المعمارية والفنية، التي جعلته أحد أهم وأشهر الأديرة على مستوى العالم، فهو أحد المواقع المصرية السبعة المسجلة على قائمة التراث العالمي (يونسكو) منذ عام 2002، مضيفا أن الدير يعد رمزا للتسامح، حيث التقت فيه الأديان السماوية الثلاثة.
مجلة المقتطف عام 1894م وتقرير عن كنوز دير سانت كاترين
مجلة المقتطف عام 1894م وتقرير عن كنوز دير سانت كاترين
مجلة المقتطف عام 1894م وتقرير عن كنوز دير سانت كاترين