غير الحجاج وحج القلوب والعقول.. والفرص الضائعة

31-5-2025 | 09:37

جميعنا تأتي إلينا فرص "غالية" لنكون أفضل دينيًا، وكثيرًا ما لا ننتبه إليها -مع الأسف- لتورطنا في الانشغال الزائد بهموم الحياة. ولا حياة بلا بعض من الهموم، ومن يركز عليها طوال الوقت يخذل نفسه ويحرمها من الفرص التي يستحق الاستفادة منها.

في أيام الحج، يتألم ملايين المسلمين في أنحاء العالم؛ لأنهم لم يذهبوا للحج لينعموا بأداء الفريضة بأفضل ما يمكنهم، ويعودوا وقد تطهروا من كل ذنوبهم، وعادوا كما ولدتهم أمهاتهم؛ مستبشرين بقبول الحج، وكلهم حماس وعزيمة لطرد كل ما يتناقض مع نعمة الحج، ويحتضنون ما يجعلهم يحافظون على حجتهم نقية بلا شوائب.

وإذا اقترب منها ما قد يخدش نقاءها من قول أو فعل أو نية؛ يسارعون بطردها مستغفرين ونادمين، ويجددون طهارة الحج في قلوبهم وعقولهم.

ويستطيع غير الحجاج إسعاد أنفسهم والتشبث بهذه الفرصة الغالية، وعدم السماح بإضاعتها والفوز بها، ليس استغناءً عن الحج بالطبع، ولكن ليحسنوا روحانيتهم -ما استطاعوا بجدية ومثابرة- حتى يستطيعوا أداء الحج ماديًا وصحيًا.

نستمع بحب واشتياق لتلبية الحجاج ونقول: يا ليتنا كنا معهم وهم يقولون بقلوبهم وعقولهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

ونستطيع فعل ذلك دومًا متى أدركنا مفهوم التلبية.

فلبيك اللهم تعني نأتي طاعة إليك سبحانك وتعاليت، ولماذا لا نطيع الرحمن نحن أيضًا ونحسن من طاعاتنا، ونجتهد للتقرب من الرحمن بالتفكير والتصرف كما يحب ويرضى عز وجل؟ وأن نركل بأقدامنا وقلوبنا وعقولنا كل ما يحرمنا من رضاه ومحبته سبحانه وتعالى. لماذا نؤجل ذلك ونخذل أنفسنا؟ لماذا لا نسعى بجدية لملء أعمارنا بما يفيدنا دينيًا؟

وسينعكس ذلك على الدنيا أيضًا؛ فمن أراد خيري الدين والدنيا فليتقرب إلى الرحمن والعكس صحيح دومًا.

وفي التلبية أيضًا: "لا شريك لك لبيك"؛ أي تجديد العبودية لله عز وجل وحده، والتخلص من كل مظاهر الشرك بالله، وأكثرهم شيوعًا القول -والعياذ بالله-: فلان يستطيع فعل ذلك ولكنه يرفض.

فمن يقل ذلك يتجاهل أن الله سبحانه وحده هو العاطي والمانع، والمعز والمذل، وأن البشر جميعهم لا يملكون من أمرهم شيئًا، وأنهم مجرد وسيلة للإعطاء أو للمنع بأمر الله وحده، وسبحانه القائل: "يدبر الأمر".

يلبي الحجاج قائلين: "إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"؛ أي أن كل الشكر لك وحدك يا الله، فسبحانك المنعم ذو الفضل العظيم ولا شريك لك في منحها، فلك سبحانك وتعاليت الحمد والشكر والثناء والإقرار بفضلك علينا جميعًا دائمًا وأبدًا.

ولنتدبر قول الله سبحانه وتعالى: "إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

ولنجتهد في تطهير قلوبنا أولًا بأول، وتحسين كل أعمالنا، وطرد الادعاء الخبيث بأن ما يهم هو القلوب فقط، فهذا كذب صريح والآية الكريمة ربطت بين القلوب والأعمال؛ ونتساءل: هل يمكن القول في العمل أن قلبي يريد الاجتهاد في العمل بينما أتكاسل عنه أو لا أؤديه كما يجب؟

في الحج درس للربط بين القلوب والأعمال من حيث أداء الشعائر والمناسك، وبها مشقة ويؤديها الحجاج برضا وفرح وشكر للرحمن الذي رزقهم نعمة الحج، وغير الحجاج أيضًا باستطاعتهم الاستفادة من فرصة الحج والمسارعة بتنقية القلوب وتزكية الأعمال، ليس وهم متأثرين بوقت الحج فقط، فيكونوا كمن يتناولون قرصًا من الفوار ينتهي سريعًا، ولكن يجعلونه برنامجًا يجددون اختياره لمعرفتهم بمكاسبه الهائلة، أليس كذلك؟

وكما يخاف الحاج أثناء الحج من ارتكاب ما يفسد حجه، ويخاف أيضًا بعد الحج إضاعة فرصة العيش بطهارة الحجاج، يمكن لمن لم يحج بعد فعل ذلك أثناء الحج وطوال العمر.

في تأدية شعائر الحج في الطواف والسعي تتلاشى الفروق بين الغني والفقير وصاحب النفوذ والعامل البسيط؛ فالجميع سواسية كما خلقنا الخالق عز وجل جميعًا من طين.

ويتقارب الجميع من كل الجنسيات ومن كل لون في اتحاد وتناغم جميل وكيف لا يحدث؟ والجميع اتفقوا على الهدف من الحج وهو قصد بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج.

والقصد مهم جدًا، فلابد من توافر النية والاستعداد النفسي والقلبي والعقلي لأداء المناسك وتعظيم الشعائر؛ وفي الآية الكريمة: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".

وهو ما نود فعله والاستمرار عليه أثناء الحج وبعده، وإن لم نكن من الحجاج، فتقوى القلوب يمكننا البدء بها فورًا وكذلك طرد التكبر على الناس ورفض تكبرهم أيضًا، وصدق القائل: "التكبر على المتكبر صدقة"، وعدم التفرقة بين المسلمين ومحبتهم جميعًا من كل الجنسيات، والتنبه للسياسة الاستعمارية البغيضة التي يتبناها كل المستعمرين الذين يريدون سرقة أوطاننا ومقدراتنا واستقلالنا أيضًا، وينفذون حيلتهم الخبيثة التي تنجح كثيرًا وهي: فرق تسد. قبل الحج يجب رد الحقوق إلى أصحابها.

فلماذا لا نسارع بالتوبة وعدم الإصرار على الذنب والندم عليه، ونية بدء حياة جديدة نتطهر فيها من كل أخطائنا وكلنا نخطئ ونصيب، ولتكن توبة دائمة وليست مؤقتة بسبب الحج، ولا توبة دون إعطاء الناس حقوقها كافة.

ننسى كثيرًا أن باب التوبة مفتوح دومًا ولا يقتصر على يوم عرفة الذي نؤكد بالطبع على أهميته؛ فلنجتهد في التوبة يوميًا لننجو ونسعد في الدارين.

ففي الحديث الشريف يقول رسولنا الحبيب: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة