أفضل أيام الدنيا

2-6-2025 | 15:43

اقترب يوم عرفة، وهو التاسع من شهر ذي الحجة، فهو ليس مجرد يوم عابر في التقويم الإسلامي، بل هو أفضل أيام الدنيا قاطبة، وذروة سنام الحج، وقلب مناسكه، إنه يوم تتجلى فيه أروع صور العبودية الخالصة، وتتنزل فيه النفحات والرحمات الربانية، وتتعلق فيه القلوب بباب السماء وتُرفع فيه الأكف بالدعاء وتذرف العيون بالرجاء، وتتجلى  فيه عظمة الخالق في قلوب المؤمنين. 

إنه يوم له في السماء منزلة رفيعة، وفي الأرض بركات لا تُحصى ولا تعد، ويعد علامة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية.
من الروائع التي تتجلى في يوم عرفة، ذلك المشهد المهيب لوحدة الأمة، فترى بعينيك الحشود المليونية التي جاءت من شتى بقاع الأرض، جاءوا على قلب رجل واحد إلههم واحد ودينهم واحد وإن تعددت ألسنهم فقد جمعهم قول واحد وهو (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير)، يقفون على صعيد عرفات الطاهر، لا فرق بين عجمي وعربي، ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، الكل متجرد من مظاهر الدنيا وزينتها، متوجه إلى رب واحد، راجيًا رحمته وخائفاً عذابه، هذا التوحد الروحي والجغرافي يجسد خير تجسيد معنى الأمة الإسلامية الواحدة، التي تلتقي على كلمة التوحيد وفي رحاب الإيمان، وتتجلى في هذا اليوم عظمة العبودية الخالصة.

الحجاج، بعد أن قطعوا الأميال وتحملوا المشاق، يقفون تحت شمس حارقة، أيديهم مرفوعة بالضراعة، ألسنتهم تلهج بالدعاء والتلبية، لا يبتغون جاهاً ولا سلطاناً، بل مغفرة ورحمة من رب العالمين، يتذللون لعظمته، ويعترفون بتقصيرهم، ويلحون في طلب العفو، إنها صورة حية للتجرد من الذات والأنانية، والانصهار في بوتقة العبودية لله وحده.

يوم العتق من النار

أما عن التجليات الربانية في يوم عرفة، فهي تتجلى في نزول الرحمات والمغفرة، فقد ورد في الأحاديث الشريفة أن الله عز وجل يدنو في هذا اليوم من عباده، ويباهي بهم الملائكة. إنه يوم العتق من النار، حيث يعتق الله فيه من عباده أضعاف ما يعتق في غيره من الأيام. هذه التجليات الإلهية تمنح المؤمن أملاً عظيماً في تجاوز خطاياه وزلاته، وتفتح له أبواب التوبة والعودة إلى الله بقلب سليم.

وتتجلى العظمة أيضاً في إكمال الدين وإتمام النعمة. ففي يوم عرفة، أنزل الله عز وجل قوله الكريم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، هذا الإعلان الإلهي يؤكد اكتمال الرسالة المحمدية وتمام الشريعة الإسلامية، وأن هذا الدين هو الطريق القويم الذي ارتضاه الله لعباده حتى قيام الساعة.

من عظمة يوم عرفة أيضاً، فضله العظيم لغير الحاج، فبينما يقف الحجاج على صعيد عرفات، يُشرع للمسلمين في بقاع الأرض صيام هذا اليوم المبارك، فقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن صوم يوم عرفة: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»، وهذا الفضل العظيم يمنح كل مسلم فرصة لنيل بركات هذا اليوم العظيم، وتطهير صحيفته من الذنوب والآثام.

كما تتجلى عظمة هذا اليوم في اجتماع خيري الدنيا والآخرة. فالحجاج يسعون لنيل المغفرة والجنة، والمسلمون الصائمون يرجون تكفير الذنوب ورفعة الدرجات. إنه يوم يجتمع فيه الدعاء الخالص والذكر الكثير والتضرع الصادق، وهي من أعظم القربات إلى الله عز وجل.

إن يوم عرفة هو يوم التوبة والإنابة، يقف المسلم أمام ربه خاشعاً متذللاً، معترفًا بذنوبه مستغفرًا لتقصيره، إنه فرصة عظيمة لتجديد العهد مع الله، والعودة إليه بقلب سليم وعزم صادق على الاستقامة.

كما أن يوم عرفة هو يوم للدعاء والإلحاح فيه. فقد ورد في الحديث الشريف: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». 

يستحب للمسلم في هذا اليوم أن يكثر من الدعاء لنفسه ولأهله وللمسلمين أجمعين، وأن يلح في طلبه، فهو يوم عظيم تُرجى فيه الإجابة.

ومن روائع وتجليات وعظمة يوم عرفة أنه محطة إيمانية فارقة في حياة كل مسلم، فهو يوم يشهد فيه بعظمة خالقه، وبوحدة أمته، وبأهمية التوبة والاستغفار، إنه يوم يمنحه أملاً جديداً في رحمة الله ومغفرته، ويدفعه نحو مزيد من الطاعة والتقرب إليه سبحانه وتعالى.

في ختام هذه الرحلة القصيرة في رحاب يوم عرفة، لا يسعنا إلا أن نتضرع إلى الله عز وجل أن يوفق حجاج بيته لأداء مناسكهم على الوجه الأكمل، وأن يتقبل منهم سعيهم، وأن يغفر لنا ولهم ذنوبنا، وأن يجعلنا جميعاً من عتقائه من النار في هذا اليوم العظيم. وأن يعيد علينا هذه النفحات الإيمانية العظيمة أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، ونحن في خير وعافية وإيمان، وأن نرى بأعيننا عاجلًا وليس آجلًا تحرير المسجد الأقصى وفك أسره من الاحتلال الصهيوني البغيض.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: