إن الأخلاق التي تربينا عليها في الماضي أصبحت تعاني الآن من نقص حاد، تشكو من أثر شح أصابها في عمقها، اعترض طريقها، هددها بزوال عرشها؛ إن الانحدار القادم باتجاه مجتمعنا يروعها، يؤرقها، يخيفها، لذا فهي لم تزل تستنجد بكل من يهمه الأمر للتحرك فورًا نحوها بهدف إنقاذها، تحذر من ضياع جيل كامل من شبابنا ظلمات آتية، تهتف منددة بمحاولات اختطافه المتكررة؛ محذرة من أثر اتباعه لتيار من شتات لا تحمد له عاقبة، تستميت لإيصال رسالتها، تجددها ولا تتوقف عن البوح بها، راجية من الله -سبحانه-أن يمكن لها وسط عالم اعتاد على تهديد وجودها.
إن الأخلاق الحسنة التي تحلينا بها راحت تحارب بمفردها، تقيم هناك بقلب صحرائها القاحلة، تشكو من ندرة ماء ظل حبيسًا بأرضها، تستدعيه وهي تواجه موجات قحطها الحارة، الواحدة تلو الأخرى، وتيار يسعى بكل دأب لمحو دورها وإزالة أي أثر لها، إنها تصوب سهامها نحو هذا الانحدار؛ محاولة استعادة مجدها ومكانتها، لقد تحولت الأخلاق السيئة إلى طوفان يأخذ من وما يجده في طريقه، خاصة هؤلاء الشباب الذين اتصفوا بخلق رفيع، برهافة حس، وحسن أدب.
تقف مترصدة لحركتهم الدائمة نحو الخلاص، كارهة، ناقمة، غامضة لا تكشف لأحد أسرارها، ترفض الاستسلام لحكمة قد تصيبهم يومًا، تقاتل من أجل وأد فهم جيد يبعدهم عن دائرة ضررها وحمقها، تقف في انتظار عودتهم من رحلة تحليقهم نحو سماء إنسانيتهم التي تمقتها؛ تتحفز للإلقاء بهم في مستنقع من صراع متعمد، بعدما تلقت نبأ نجاحهم في الخروج من جحيم دوامتها المحكمة، تنهرهم بعاصفة من غضبها، فالغضب مكونها وأساس وجودها، تتحداهم قائلة: بأن حربها التي بدأتها معهم لن تكون الأخيرة.
ربما كان الحق معها، فهم يعيشون في مجتمع يستبيح الكذب، يألف النفاق، يعتنق المراوغة، ويتدثر برداء المجادلة، إن تدني الأخلاق بهذه الصورة اللافتة أصبح ينذر بالخطر، بات يعكس صورة غير مرضية لمجتمع تحولت نسماته إلى ريح عاصفة، تنذر باقتراب انفلات قوي، تبعث معه رسالتها، تعد الجميع بقرب إحكام قبضتها الحديدية علينا، تقرر سجننا في زاوية تعنتها الضيقة، تسكننا في منطقتها الرمادية الظلال، تعلن عن عزمها الإتيان بكل ما هو مرفوض، سافر فج؛ لتتثبت مشروعيتها وأحقيتها في قيادة مجتمعنا.
تتجلى هذه الظاهرة وتتعمق جذورها بين فئة الشباب، تلك الفئة التي تدفع بي للحديث عنها كثيرًا، إنها الفئة التي يتم غزونا من خلال تسخير قلوبها النقية وإقناعها باتباع كل أمر غريب مستحدث، كم أخشى، وأظنكم مثلي، من تغير يلحق بهم، يدفعهم نحو مجهول مستتر، إنهم في حاجة إلى رعاية عاجلة إلى توجيه دائم ورسائل مستمرة، هيا نتحد، هيا نعمل معًا على إنقاذهم من براثن خطط خبيثة تهددهم بقصد طمس هويتهم.