لعمري فإن ظلمهم وظلم من عاونهم ومن سار على نهجهم جاوز المدى، فلم تكن مقتلة، وإنما هي مجزرة بكل ما تحمله الكلمة من معاني التقتيل والذبح.
فالقاصي والداني يعلم أن الحروب وإدارتها تكون بين طرفين متكافئين عدة وعتادًا، وهذه هي المواثيق الدولية التي اتفقت عليها الشرعية الدولية.
إذا ما جارت دولة على أخرى، فهناك سبل مشروعة ينبغي البدء بها، فهناك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، والجنائية الدولية؛ لإعطاء كل ذي حق حقه.
أما ما ينتهجه الكيان المغتصب من سياسات بدأت باحتلال الأراضي وبناء المستوطنات، ومحاربة المرابطين في المسجد الأقصى المبارك، والحفر تحته بحجة البحث عن هيكلهم المزعوم، واعتقال المصلين وطردهم وعدم تمكينهم من الصلاة داخله، والزج بهم في غياهب المعتقلات والحكم عليهم بالمؤبدات.
كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع العالم أجمع، ولا نسمع صوتًا يتكلم أو يتحرك ساكنه اللهم إلا أنصار الحرية؛ الشعوب التي لا حيلة لها، اللهم إلا الخروج في مظاهرات ووقفات احتجاجية يتم تفرقتها بأي شكل من الأشكال.
كل ذلك لماذا؟! لماذا هذا التراخي من دول الغرب الأوروبي، خوفًا من سلطة الولايات المتحدة الأمريكية، خوفًا من منعهم ومن توقف تجارتهم، وفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية عليهم من أصحاب العصا الغليظة؛ أولئك الذين استعبدوا الناس فصار العالم قسمين قسم السادة وأشياعهم، وقسم العبيد الخانعين التابعين الذين حتى لا يستطيعوا مجرد الإنكار والشجب، وإذا ما أخذتهم جرأة الشجاعة، أستخدم السادة الفيتو فنسف حتى شجبهم.
وإذا ما حدث تحرك على الأرض من المقاومين، على الفور تبدأ سياسة الكيل بمكيالين، المتمثلة في أن من حق الشعب الإسرائيلي أن يعيش في سلام، لماذا لا تدعوهم يحيون ويعيشون ويبنون مدنهم وقراهم.
لكن أيها العنصريون أين أنتم من الشعب الفلسطيني، وخصوصًا الشعب الغزاوي؟! أليس من حقهم العيش في سلام؟! تطالبونهم بالتوقف وترك أراضيهم وتهجيرهم وحرقهم أحياء، وهدم البيوت على قاطنيها وإهلاك الحرث والنسل!!
أين أنتم من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يحدث الآن؟! أين أنتم من وأد أسر بأكملها ومحو سجلاتهم من الحياة؟!
أين أنتم من طبيبة تقوم بمداواة الجرحى؛ أولئك الذين فتكت بهم آلة حربكم الرهيبة؟! أين أنتم منها وهي تستقبل كل أطفالها الأبرياء؟! تستقبلهم شهداء؟! ماذا لو كان حدث ذلك لبني يهود أو حدث ذلك في بلدانكم؟! كانت الدنيا ستقوم ولا تقعد، وكانت منظمات حقوق الإنسان ستنتفخ أوداج متحدثيها!!
لكن مع هؤلاء الأبرياء المدافعين عن حقوقهم، نجد صمتًا رهيبًا كصمت القبور، وغيرها من المآسي التي يندى لها جبين الأحرار، لكن أين هؤلاء الأحرار؟! والعالم بات فريقين، فريق السادة، وفريق العبيد، فريق الذئاب البشرية، وفريق من لا حيلة له إلا المقاومة بأجسادهم التي أنهكتها آلة الحرب، وأنهكها الجوع والعطش.
لم يكذب "توماس هوبز" عندما قال: "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان يتحين الفرص لينقض عليه"، صدق عندما قال: "إذا ما هم الإنسان برحلة فعليه أن يسلح نفسه تسليحًا كاملًا، وحتى إذا ما أخلد للنوم في بيته فعليه أن يغّلق بتشديد الغين، أبوابه عليه خشية أن يتم السطو على آدميته"، وها هو الآن السطو على آدمية الشعوب المقهورة عيانًا بيانًا في وضح النهار.
نعم قالها البقاء للأقوى، لا البقاء للأصلح والأنفع، البقاء لمن يمتلك مقومات بقائه؛ سواء قوة عسكرية أو قوة اقتصادية، بل ويسير خلفه السائرون المنتفعون يداهنونه وينافقونه.
أما الشعوب المقهورة فلا مكان لها على خارطة الأقوياء، إنما من الممكن السماح لهم على هامش خريطة الوجود كخدم وعبيد، إلى أن يأتي من يحررهم، إلى أن يبعث الله فاروقًا جديدًا، أو يبعث غاندي أو مانديلا، أو يعود صلاح الدين الأيوبي من مرقده!! وقتها فقط ستستطيع هذه الشعوب المقهورة أن تتنفس الصعداء.
وقتها فقط سيُذَلُ عدونا الأول، عدونا التاريخي الذي أباد مدرسة أطفال بحر البقر، هدمها على رؤوس تلاميذها، فسطروا على كراريسهم بدمائهم الزكية كلمات ستظل خالدة، نعم للحرية، مدحورًا أيها العدو الغاشم القاتل.
ولا زلت أكرر، فقد كُتِبَتُ الإجابة لمن أدمن الطَرقَ!! لا زلت أكرر، يا أمتنا العربية والإسلامية، استيقظوا من غفلتكم!! أفيقوا من سُباتكم!! فهل يرضيكم حرمات الله تنتهك؟! إماء الله ينكلن بهن بهذه الصورة البشعة المهينة؟! أطفالنا يوأدون بدماء باردة؟! أي إجرام هذا؟! تسعة أطفال رصدتهم أجهزة الخيانة والغدر وفتكت بهم آلة الحرب!! ماذا ستقولون لله تعالى وهم جميعًا ممسكون بتلابيبكم طالبين من الله القصاص منكم؟! ماذا ستقولون وأنتم واقفون (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)؟!
أفيقوا وقفوا صفًا واحدًا أمام هؤلاء الطغاة!!
أستاذ الفلسفة بآداب حلوان