الاستثمار في إفريقيا.. فرص ريادة الأعمال وتحديات المنافسة الدولية

28-5-2025 | 17:40
الاستثمار في إفريقيا فرص ريادة الأعمال وتحديات المنافسة الدولية د.محمد سامي - د.محمود السعيد- د.أسامه الجوهري- د.عطية الطنطاوي- د.سالي فريد- د.نهلة السباعي
محمد الطماوي
الأهرام العربي نقلاً عن

رغم امتلاك القارة الإفريقية ما يقرب من 30%  من الموارد الطبيعية في العالم، بما في ذلك أكثر من 12% من احتياطي النفط العالمي، وحوالي 40% من احتياطات الذهب، وأكثر من 60% من الأراضي الزراعية غير المستغلة عالميًا، فإن مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي لا تتجاوز 3%  فقط، وفقًا لتقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كما أن إفريقيا، التي تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة، يعيش أكثر من 430 مليونًا منهم تحت خط الفقر، تعاني من فجوة كبيرة بين الإمكانات الاقتصادية الفعلية ومستوى التنمية المحققة، وتُظهر تقارير الأمم المتحدة للتنمية أنه رغم الزيادة الطفيفة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القارة عام 2022، إلا أن حصة إفريقيا من هذه الاستثمارات لا تتعدى 3.5% من إجمالي التدفقات العالمية، وهو ما يعكس استمرار فجوة الثقة، وضعف بيئة الأعمال، وتأثيرات الأزمات الدولية.

موضوعات مقترحة

وتعكس كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في يوم إفريقيا الخامس والعشرين من مايو حرصه العميق واهتمامه الكبير بالقارة الإفريقية وأبنائها، وجاءت نص الكلمة :"في الخامس والعشرين من مايو من كل عام، نحتفل بيوم أفريقيا؛ يوم الوحدة والتضامن، هذا اليوم الذي يرمز إلى طموحات الشعوب الإفريقية في مستقبل مشرق وتنمية مستدامة، فمصر، التي تمتد جذورها في عمق التاريخ الإفريقي، تؤكد التزامها الراسخ بدعم التعاون البنّاء، وتعزيز جهود التنمية والسلام في ربوع القارة السمراء لنصنع لأبناء أفريقيا غدًا أكثر إشراقا وازدهارا؛ كل عام وإفريقيا قوية ومتحدة وماضية نحو التقدم المنشود".

جاءت الكلمة لتؤكد على أن يوم إفريقيا ليس مجرد مناسبة تاريخية فقط، بل هو رمز للوحدة والتضامن بين الشعوب الإفريقية وطموحاتها نحو مستقبل مشرق وتنمية مستدامة، أظهر الرئيس السيسي التزام مصر الراسخ بدعم التعاون البنّاء بين الدول الإفريقية، وتعزيز جهود التنمية والسلام في كافة ربوع القارة السمراء، تعكس كلمته رؤية استراتيجية واضحة لمصر بوصفها قوة محورية فاعلة تسعى لبناء قارة أكثر استقراراً وازدهاراً، مع التأكيد على أن بناء مستقبل أفضل لإفريقيا يتطلب العمل الجماعي والتكاتف لتحقيق التقدم المنشود، مما يجسد اهتمامه الخاص بإفريقيا كقضية محورية في السياسة المصرية.

وفي لحظة فارقة من تاريخ العلاقات المصرية الإفريقية، تؤكد جامعة القاهرة على دورها الرائد في الدبلوماسية العلمية، برئاسة الأستاذ الدكتور محمد سامي عبد الصادق، الذي لولا إيمانه بأهمية انعقاد هذا المؤتمر، لما خرج إلى النور بهذا الشكل الذي يليق بمكانة جامعة القاهرة وريادتها في الشأن الإفريقي، لتؤكد أنها ليست فقط مؤسسة تعليمية عريقة، بل منصة استراتيجية لإعادة تعريف دور مصر في القارة، وتفعيل أدوات التأثير المعرفي والاقتصادي والدبلوماسي في آنٍ معًا، فقد اختارت الجامعة أن تحتفل بيوم إفريقيا لهذا العام عبر منصة علمية لا تكتفي بتوصيف الواقع، بل تعمل على تفكيكه وإعادة بنائه بمنهجية بحثية تربط بين الفكر وصناعة القرار، كما تجلى في المؤتمر الدولي السنوي الذي نظمته كلية الدراسات الإفريقية العليا، تحت عنوان: "الاستثمار في إفريقيا: فرص ريادة الأعمال وتحديات المنافسة الدولية والإقليمية.

هذا المؤتمر لم يكن مجرد احتفالية أكاديمية، بل طرح أسئلة جوهرية تفرض نفسها بإلحاح: كيف يمكن لإفريقيا أن تنتقل من كونها ساحة تنافس دولي إلى فاعل مستقل في النظام الاقتصادي العالمي؟، ما الأدوات التي تمتلكها القارة لبناء بيئة استثمارية تتكامل فيها القدرات المحلية مع الشراكات الخارجية؟، وهل تمتلك الدول الإفريقية، وفي مقدمتها مصر، رؤية مؤسسية موحدة تمكّنها من توظيف هذه الإمكانات بشكل استراتيجي؟، وأخيرًا، كيف يمكن تحويل ريادة الأعمال من حالة فردية إلى سياسة عامة تمكّن الشباب الإفريقي من قيادة مشروعات تنموية واقعية ومستدامة؟

الكلية التي يرأسها الأستاذ الدكتور عطية الطنطاوي، لعبت دورًا حيويًا في تحويل هذه الأسئلة إلى محاور علمية ونقاشات منهجية، مستندة إلى إرث أكاديمي تأسس على فهم عميق لتاريخ القارة وصراعاتها وتطلعاتها، فكلية الدراسات الإفريقية العليا ليست مجرد مكون من مكونات الجامعة، بل تمثل ذراعها الاستراتيجي في التفاعل مع قضايا القارة، والمكان الذي تُصاغ فيه السياسات العلمية تجاه إفريقيا، من خلال الأبحاث والدراسات وبرامج التعليم والدبلوماسية الثقافية.

وقد جاء المؤتمر كترجمة عملية لتوجه الجامعة نحو تعزيز الشراكة بين البحث العلمي ومؤسسات الدولة، وهو ما ظهر في التعاون الوثيق مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة الدكتور أسامة الجوهري، وتمثيل مشرف من المركز بحضور الدكتورة نهلة السباعي، والدكتورة خديجة عرفة، المؤتمر لم يكن فقط منبرًا للبحث، بل أيضًا دعوة لإعادة هندسة العلاقة بين الدولة المصرية والقارة الإفريقية، من خلال دمج الخبرة الأكاديمية مع أدوات التخطيط الاستراتيجي، وفي ظل المبادرات الرئاسية الأخيرة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي ومنها ترؤس مصر للاتحاد الإفريقي عام 2019، وإطلاق الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، وإنشاء مركز مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة لدول الساحل  لصالح القارة، تبرز الحاجة الملحة إلى هيكل موحد ينسق كل هذه الجهود ويحولها إلى سياسة دائمة، لا مجرد مبادرات ظرفية.

من جانبه، قال الأستاذ الدكتورمحمود السعيد، نائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون الدراسات العليا والبحوث، والذي ترأس الجلسة الأولى بالمؤتمر، إن الرهان على مستقبل إفريقيا يجب أن ينطلق من دعم البحث العلمي الجاد القائم على بيانات دقيقة وتحليل منهجي، مشيرًا إلى أن القارة تواجه تحديات معقدة في مجالات التنمية، لكنها في الوقت ذاته تزخر بفرص هائلة لا يمكن توظيفها إلا من خلال سياسات تستند إلى المعرفة، لا إلى الانطباعات أو الحلول الجاهزة.

وأضاف السعيد أن البحث العلمي الأكاديمي ليس ترفًا فكريًا، بل هو أداة استراتيجية لصناعة القرار وتحقيق التنمية المستدامة، داعيًا إلى ضرورة توطين الأبحاث التطبيقية المرتبطة باحتياجات القارة الفعلية، وتعزيز الشراكات بين الجامعات الإفريقية ومراكز الدراسات، حتى تصبح المعرفة أحد أعمدة التكامل الإفريقي، ومفتاحًا رئيسيًا لتحقيق السيادة الاقتصادية والتكنولوجية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

ومن جانبها، أكدت الدكتورة سالي فريد، أستاذ الاقتصاد ومقررة المؤتمر الدولي لكلية الدراسات الإفريقية العليا، أن المؤتمر جاء في توقيت بالغ الأهمية في ظل ما تشهده القارة من تحولات اقتصادية وسياسية متسارعة، مؤكدة أن اختيار محور "الاستثمار في إفريقيا: فرص ريادة الأعمال وتحديات المنافسة الدولية والإقليمية" يعكس حرص الجامعة على التعامل مع القضايا الإفريقية من منظور تطبيقي يربط بين التحليل الأكاديمي والاحتياجات الفعلية لصناع القرار والمجتمع، وأضافت أن المؤتمر شكّل منصة تفاعلية جمعت بين خبراء وباحثين وسفراء ومؤسسات حكومية ودولية، بهدف بلورة رؤية شاملة تدعم جهود التنمية المستدامة في إفريقيا.

وأكدت فريد أن ما يميز هذا المؤتمر هو تنوع محاوره البحثية وتكاملها، حيث ناقشت الجلسات قضايا تتعلق بريادة الأعمال، ورأس المال البشري، والطاقة، والاقتصاد الأخضر، والبيئة التشريعية، والابتكار، مشددة على أن هذه الموضوعات ليست قضايا نظرية، بل تمثل أولويات عملية للقارة في المرحلة المقبلة، واختتمت بالإشارة إلى أن التوصيات التي خرج بها المؤتمر تستحق أن تجد طريقها إلى صناع السياسات، معربة عن تقديرها للدعم المؤسسي الكبير من جامعة القاهرة ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، وهو ما مكّن المؤتمر من تحقيق أهدافه العلمية والتنموية.

قدم المؤتمر نموذجًا مصغرًا لما يمكن أن تفعله الجامعة عندما تتحول من منبر للتعليم فقط إلى فاعل في السياسة العامة، والسؤال الآن لم يعد: هل نحتاج إلى رؤية مصرية موحدة لإفريقيا؟ بل:  ما الذي يؤخر بلورة هذه الرؤية؟ وهل آن الأوان لإنشاء كيان مؤسسي— وزارة أو مجلس أعلى — يعيد ترتيب أولويات مصر الإفريقية تحت مظلة استراتيجية وطنية موحدة؟.

المؤتمر لا يدعي امتلاك كل الإجابات، لكنه بلا شك وضع الأسئلة الصحيحة على الطاولة، وهي بداية لا غنى عنها لأي مسار إصلاحي حقيقي.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: