السوشيال ميديا خلقت عند الناس حالة من المقارنة المستمرة بين ما تراه وحياتها الحقيقية
موضوعات مقترحة
معظم مشاهير السوشيال ميديا يعانون من اكتئاب حاد بسبب الزيف الذى يعيشون فيه
أصبحت الضغوط الاقتصادية فى السنوات الأخيرة بمثابة ضيف ثقيل على الأسرة المصرية التى لم تعد قادرة على تلبية احتياجاتها فى ظل الارتفاع المستمر للأسعار.. ولكن يبقى السؤال هل تؤثر تلك الظروف على الاحتياجات المادية فقط أم يمتد أثرها للعلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية؟ وهل لها دور فى الأشكال المستحدثة من الجريمة والعلاقات غير المألوفة على مجتمعنا؟ هذا ما سنعرفه من الدكتور إبراهيم خطاب والمعالج النفسى وكوتش العلاقات الاجتماعية والأسرية.
الأزمات الاقتصادية ليست بجديدة على المصريين.. فما الذى حدث مؤخرًا جعلها العامل الأكثر تحكمًا وتأثيرًا فى العلاقات الإنسانية والاجتماعية؟
فكرة الاحتياج.. بمعنى احتياجنا لإدارة حياتنا بشكل أفضل والتطلع المستمر للأحسن مع وجود السوشيال ميديا التى خلقت عند الناس حالة من المقارنة المستمرة بين حياتها وبين ما تراه على السوشال ميديا يعنى مثلا زمان كنا نسمع عن الدول التى بها سياحة مثل المالديف وتايلاند وبالى لكن عمرنا ما فكرنا أن نزورها، لكن مع وجود السوشيال ميديا وظهور ناس من أصحابنا أو دائرة معارفنا هناك بدأنا نتطلع لزيارتها.. ونفس الشىء حدث من قبل مع بداية ظهور المسلسلات التركى وانتشارها فى مصر حدث وقتها خلل فى مؤسسة الزواج عندنا بسبب المقارنة بين الرجل التركى اللطيف الوسيم المهذب المحب وبين الرجل المصرى؛ مما ترتب عليه خلق حالة من عدم الرضا عند السيدات فى مصر عن أزواجهن وتبعها مشاكل كبيرة أدت فى بعض الأحيان الى الطلاق.
معنى ذلك أن المشاكل المترتبة على الأزمات الاقتصادية مفتعلة؟
إلى حد ما حيث إن جزءا من الأزمات الاقتصادية نحن المتسببون فيها بسبب مقارنات السوشيال ميديا، يعنى مثلا نجد شخصا دخله الشهرى بالكاد يكفيه فيقرر شراء موبايل غالى جدا ويدفع نصف مرتبه قسطا فى سلعة ترفيهية هو ليس فى حاجة ملحة إليها وبالتالى أصبح لدينا طول الوقت احتياج لأشياء ليست مهمة مثل الإير فراير والتليفزيون الـ 50 بوصة وما شابه ذلك؛ مما يضطرنا لبذل مجهود أكبر لتوفير تلك الاحتياجات غير المهمة وبالتالى شعورنا بالفقر زاد لأننا استبدلنا السلع الترفيهية بالأشياء الضرورية، وأصبحنا غير قادرين على توفير الاثنين، وهذا فى حد ذاته يضعنا فى معاناة تؤثر بشكل مباشر على علاقاتنا الاجتماعية والأسرية.
على ذكر الدراما التركية.. هل الدراما المصرية بكل ما يشوب العلاقات من خلل وتشوه تعد انعكاسا حقيقيا للمجتمع؟
ليس انعكاسا للمجتمع ككل ولكن به جزء كبير من الحقيقة والخطر هنا أن الدراما تخلق صورة ذهنية لأبطال وهميين مثل ما حدث فى الشخصية التى قدمها الفنان ماجد المصرى فى رمضان، فبالرغم من أنه تاجر مخدرات وتاريخه كله منحرف إلا أنه أصبح فتى أحلام البنات والسيدات لكونه يصرف ببذخ ويتعامل بحنان مبالغ فيه، وطبيعى أن المرأة عندما ترى هذا النموذج فى أكثر من عمل درامى سيتكون لديها فكرة أن الرجل لابد أن يكون مثل هؤلاء فتبدأ تتمرد على حياتها وزوجها والرجل يتولد لديه شعور بالنقص لأنه غير قادر على تلبية احتياجات بيته وزوجته فتبدأ المشاكل تظهر بصور مختلفة تهدد استقرار الأسرة ككل.
معظم مشاهير السوشيال ميديا تتم صناعتهم لأهداف معينة وموجهة.. فكيف يمكن توعية المجتمع بذلك؟
الأمر ليس سهلا لأنه يحتاج الى درجة كبيرة من الوعى والإدراك لأن معظم مشاهير السوشال ميديا والفن مزيفون وتتم صناعتهم بهدف هدم استقرار المجتمعات، وبالمناسبة أغلب هؤلاء المشاهير يعانون من اكتئاب حاد لأنهم يعيشون فى كذبة كبيرة ومع الوقت يتوهون عن شخصياتهم الحقيقية لكن بالنسبة لعامة الناس وهم يقلبون فى هواتفهم ويشاهدون هؤلاء المشاهير الطبيعى أنهم يقارنون حياتهم وعلاقاتهم بأزواجهم وأسرهم بما يرونه على السوشيال ميديا وتلك المقارنة ستنعكس عليهم بشكل مباشر وستخرج فى صورة غضب وعدم رضا عن الزوج أو الزوجة والأولاد وقد يصل الأمر إلى هدم الأسرة بسبب أفكار وهمية لاتمت للحقيقة بصلة ولو أدركنا حياة هؤلاء المشاهير وعشنا مكانهم يوما واحدا لحمدنا ربنا على ما نحن فيه، وبالمناسبة الأمر لم يتوقف عند السوشيال ميديا فقط فلو ركزنا سنجد أن حتى الأغانى فى السنوات الأخيرة لا تتكلم إلا عن خيانة الحبيب وغدر الأصحاب مما شوه منظورنا عن العلاقات بشكل عام.
تعتقد أن السوشيال ميديا والظروف الاقتصادية لها دور فى تغيير شكل الجريمة فى مجتمعنا فى العشرين سنة الأخيرة؟
لا.. السوشيال ميديا بريئة من تلك التهمة وكذلك الظروف الاقتصادية لأن الجريمة تحدث فى كل المستويات الاجتماعية وبالتالى فالأمر ليس له علاقة بالمستوى المادى أما بالنسبة للسوشيال ميديا فى تلك النقطة تحديدا فكل دورها أنها أظهرت تلك الجرائم على السطح ولو رجعنا لأرشيف الأهرام لمصر من أوائل القرن الماضى وحتى الآن سنجد أن الجرائم كانت تتم بصور أبشع مما هى عليه الآن فالجريمة تحدث بسبب اضطرابات نفسية ونسبتها ضئيلة جدا مقارنة بعدد الناس فى مجتمعنا لكن ظهور تلك النسبة بشكل ملح فى الدراما وعلى السوشيال ميديا برمج العقل على أنها أمر سائد وهذا غير حقيقى على الإطلاق.
أعتقد أن الدراما هنا له دور مهم وتوعوى مثل ما حدث فى مسلسل "لام شمسية"؟
إيه رأيك أن هذا المسلسل تحديدا ضرره أكبر من نفعه، وأنا أنصح من لم يره حتى الآن ألا يشاهده لأن إدراكنا لفكرة التحرش بهذا الشكل ستخلق حالة من الخوف والقلق من عم الأولاد وخالهم وأقاربهم ومن كل من حولنا.. فأنا هنا لاأنكر وجود التحرش وأعترف أنه موجود من زمان جدا فى العائلات ولكن تقديمه بتلك الفكرة سيثير قلقنا على أولادنا من كل الناس والحل البديل هنا هو توعية الأطفال ومصاحبتهم بما يجعلنا نحن كآباء بر أمانهم الوحيد الذى يرجعون إليه فى كل كبيرة وصغيرة بحياتهم إنما المسلسل تسبب فى حالة من التوتر والخوف من المدرس والخال والعم وكل الناس لأنه قدم الفكرة بشكل مبالغ فيه مما جعلنا نخاف حتى من اللمسات الطبيعية.
الضغوط المادية ليست السبب دائما فى حالة الإحباط أو الاكتئاب التى أصابت80% من الناس إن لم يكن أكثر.. هل توافق ؟
نعم أوافق جدا، فسبب الاكتئاب هنا هو الخوف من المستقبل وتغفيلة آخر 15 سنة، فجيل السبعينات والثمانينات حتى منتصف التسعينات عاش 15 سنة من عمره ما بين ثورات وكورونا وحروب وأزمات اقتصادية، وفجأة استيقظ على أن عمره ما بين الأربعين والخمسين وأنه مسئول عن أسرة وأولاد كبار وهو نفسه غير مدرك أنه كبر لأن الجزء الأهم والأجمل فى حياته ضاع فى تغفيلة الثورات والأوبئة وهذا فى حد ذاته كفيل أنه يسبب اكتئابا وإحباطا لأنه ملزم بمسئوليات أكبر من قدراته وهو مضطر لتحمل تلك المسئوليات ولكنه غير راضٍ ولا يشعر بالسعادة خاصة الأب لأنه لم يعد مسئولا عن الأكل والشرب والتعليم فقط إنما أصبح مسئولا عن تمارين ونوادٍ وفواتير موبايل وإنترنت وماركات ملابس ومصاريف لا تتواءم مع الدخل وكل هذا كفيل بتشويه العلاقات الأسرية والزوجية خاصة لو كنا من الأساس مع الشخص الخطأ.
بما أنك تحدثت عن الشخص الخطأ.. فما سبب الانجذاب لهذا النوع من الأشخاص؟
هذا أيضا ليس بجديد فنحن جميعا بدون استثناء انجذبنا لأشخاص خطأ، ولكن ما حدث أن هذا النوع من الأشخاص أصبح له اسم ظهر للنور مثل النرجسى والسيكوباتى والأنانى فأصبحنا قادرين على التعبير عن مشاكلنا مع أشخاص من هذا النوع ومنه نتعلم إزاى نختار الشخص المناسب.
وكيف نعرف أننا مع "الشخص المناسب"؟
لما أكون على طبيعتى أو بمعنى أصح "مرتاح" مش محتاج أتجمل أو أتلون أو أغير قناعاتى لأرضيه، والعلامة الثانية أن يكون بيننا لغة حوار وقدرة على النقاش بسلام وهدوء وأخيرا والأكثر أهمية هو الاحترام.