خفض الفائدة .. أين تذهب تريليونات المواطنين؟

25-5-2025 | 18:53

مثل المايسترو على خشبة المسرح، هكذا دور البنك المركزي في ضبط السياسة النقدية، وعلى قدر كفاءته وعلمه وخبرته واحترافيته في إدارة المنظومة، يأتي الأداء متناغمًا والنتائج مرضية.. وقبل أيام اتخذ البنك المركزي قرارًا بخفض معدل الفائدة بواقع 100 نقطة أساس "1%"؛ لتصل إلى 24% و25% للإيداع والإقراض وسط توقعات بمزيد من التخفيض خلال المرحلة المقبلة بالتزامن مع تراجع التضخم.

..والفائدة دائمًا ما يتم استخدامها كأداة في ضبط التضخم وكبح جماح الأسعار؛ إذ أنه عند ارتفاع الأسعار يقوم البنك المركزي برفع سعر الفائدة لامتصاص السيولة لدى المواطنين الذين يسارعون يإيداع ما لديهم من أموال للاستفادة من الفائدة العالية، وبالتالي تقل السيولة في السوق، ومعه يتراجع الطلب على السلع فتنخفض الأسعار، تلك ببساطة آلية خفض التضخم عبر سعر الفائدة، وبالتالي فإن العكس صحيح حين يتم خفض سعر الفائدة، فالمتوقع أن تخرج الأموال من البنوك؛ لتعود مرة إلى أخرى إلى ما كانت عليه. 

لكن في جميع الأحوال، فإن خفض سعر الفائدة هو وضع طبيعي والرفع هو الاستثناء؛ بمعنى أن تخفيض سعر الفائدة يعنى سلامة المسار الاقتصادي، ويعني أيضًا تخفيض تكلفة الإقراض لصالح الاستثمار، وهو ما يعني دوران حركة الاقتصاد وزيادة معدل النمو وتوليد فرص عمل جديدة أمام القوى العاملة.

ورغم أن الفائدة في البنوك لا تزال عالية ومشجعة على الإدخار، فإن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن البنك المركزي في طريقه إلى مزيد من الخفض في أسعار الفائدة، وسط توقعات بخفضها إلى معدل يتراوح بين 10 و12% بحلول العام المقبل 2026، وهو ما يتطلب من الحكومة فعل اقتصادي واضح، وعبر سياسات مدروسة تجيب عن سؤال: كيف يتم استغلال الأموال المكدسة في البنوك، والتي يتوقع أن تخرج بعد خفض سعر الفائدة؟

وتشير إحصاءات البنك المركزي إلى أن مدخرات المواطنين في البنوك قفزت إلى 7.7 تريليون جنيه في يناير الماضي، وهو بالـتأكيد رقم كبير لو أحسن استغلاله ووجد قنوات استثمار جيدة، سيعود بالنفع على الاقتصاد الكلي، ويدعم مسار الإصلاح الاقتصادي، وهذا الدور يقع على عاتق الحكومة التي يجب أن تضع من السياسات والمحفزات ما يدعم الاستثمار المباشر، ويشجع على استغلال الفوائض المالية لدى المواطنين في مشروعات إنتاجية وخدمية يحتاجها الاقتصاد الوطني.

لقد مر الاقتصاد المصري بتجارب مماثلة، وللأسف فشلت الحكومات السابقة في إيجاد قنوات استثمار لمثل هذه الفوائض المالية، وكانت النتيجة عودة التضخم وتعثر مسيرة الاقتصاد؛ لأن السيناريو المتوقع في ظل إنسداد شرايين الاستثمار أن تذهب الأموال لدى المواطنين إلى شراء الذهب أو العقارات، وهذه الاستثمارات لا تمثل أى إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني، أو إما تذهب لملاذات أخرى غير شرعية؛ مثل شركات توظيف الأموال التي غالبًا ما تظهر في ظل تدني فوائد البنوك، أو تذهب في مجال الاتجار في العملة أو تلتزم المنزل، وفي جميع الأحوال لا تمثل هذه الأموال أى إضافة للاقتصاد القومي. 

إذن لا بد من تحرك فاعل ورشيد ومدروس من جانب الحكومة؛ لنشر ثقافة الاستثمار، وتشجيع المواطنين على إعادة توظيف أموالهم في مشروعات مفيدة للمجتمع ومربحة لهم؛ سواء عبر الاستثمار في المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر أو استثمارها في البورصة، وهناك تجارب رائدة في العالم أخذت بزمام المبادرة؛ مثل الهند وكندا وإيطاليا والصين، ونجحت في خلق أجيال من رجال الأعمال الذين بدأوا مشروعات صغيرة، ثم أصبحوا من كبار المستثمرين.

دور الدولة هو فتح قنوات الاستثمار، وتوفير فرص استثمارية ودراسات جدوى مجانية لمشروعات صغيرة وتوفير رعاية كاملة لرواد الأعمال منذ تأسيس المشروع، مرورا بالإنتاج، وحتى التصدير وتسويق إنتاج المشروع.

أما أن نكتفي بسياسات البنك المركزي ونفرح بتراجع التضخم وخفض سعر الفائدة، فالمؤكد هذه الفرحة لن تدوم في ظل عدم وجود رؤية لتوظيف التريليونات المتوقع خروجها من البنوك، وربما يأتي يوم قريب لنرى التضخم يرتفع من جديد، ونجد أنفسنا في نفس الدائرة ونعود مجبرين لرفع سعر الفائدة، وإدخال الأموال في خزائن البنوك مرة أخرى.

.. عليكم بالاستثمار.. ولا تكرروا أخطاء الماضي.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: