أثارت تصريحات د. مصطفى وزيري الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار الجدل بين علماء المصريات حول عمر فأس العباسية المعروضة بالمتحف المصري الكبير، وهي فأس حجرية تم اكتشافهة في منطقة العباسية بالقاهرة، ويُقدّر عمرها بحوالي 700,000 سنة.
تُعتبر هذه الفأس من أقدم الأدوات التي استخدمها الإنسان في مصر، كما استخدمها في صيد الحيوانات البرية، وصيد الأسماك، وقطع النباتات، وسلخ الجلود ،وقد تم تأريخ هذه القطعة من خلال تحليل الرواسب النيلية والطينية المحيطة بها، مما أكد قدمها.
العصر الحجري
الدكتور خالد سعد ، مدير عام الإدارة العامة لآثار ما قبل التاريخ، قال إنه بشأن ما تم تداوله في تصريحات الأمين العام السابق للآثتر بشأن وجود فأس يدوية بالمتحف المصري الكبير يرجع لـ ٧٠٠ ألف عام فهذا الكلام صحيح علميا، ولدينا كم مهول جدًا من هذا الأدوات الحجرية تسمي الشيلية والأشولية، وهي موجودة بالمتحف المصري بالتحرير، والمتحف الجيولوجي بزهراء المعادي، والمخزن المتحفي بالهرم، وأي من الزملاء والأصدقاء يريد رؤية هذه الأدوات وشرحها والتقارير العلمية والنشر العلمي وتسجيلها وأرقامها بالكتالوج فالأمر متاح وميسور، مضيفا أنه أصدره كتابين حول تلك الىثار القديمة، وهما (أقدم الثقافات البشرية في مصر 500 ألف عام، وسيناء في عصور ما قبل التاريخ).
بدوره قال الدكتور مجدي شاكر كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، إنه بخصوص ما ذكره الأمين العام السابق للآثار فى عدة لقاءات فى برنامج تلفزيونية مختلفة بشأن عرض بلطة أو فأس حجرية تنتمى للحضارة المصرية القديمة سيتم عرضها فى المتحف المصري الكبير قُدرت زمنيا بـ 700000 سبعمائة ألف سنة، فهذا سيؤدى إلى إثبات عمق الحضارة المصرية القديمة الضاربة في أصل التاريخ.
ومن المعروف أن أقدم الحضارت وجدت علي ضفاف الأنهار كما هو الحال في مصر وبلاد الرافدين، وأن أول موقع حضاري في مصر وجد في نبتا بلايا، حيث وجدت الدفنات الببضاوية وأثار الحبوب والغلال وأماكنها، فضلاً عن اكتشاف الساعة الحجرية، وقد قدر العلماء عمر هذه الحضارة بحوالي ١٣ألف سنة.
ومن المعروف تاريخيًا ومثبت علميًا أن أقدم موقع حضاري في مصر من عصر ما قبل الأسرات هو موقع مرمدة بني سلامة، والذي يؤرخ بحوالي ٥٧٠٠ ق .م، أما في العالم فيوجد موقع "أكالتي" بتنزانيا، وهو عبارة عن هيكل بشرى أو مباني حجرية مشيدة دون رابط أو (مونة) وعمرها مليون ونصف عام.
دلائل الحضارة
علميًا وتاريخيا، لا توجد حضارة يرجع عمرها إلى ٧٠٠ ألف سنة؛ لأن أقدم حفرية لإنسان يبلغ عمرها ٣٠٠ ألف سنة (وهذا حسب رأى دكتور هشام سلام مؤسس مركز الحفريات الفقرية فى كلية العلوم جامعة المنصورة، وله دراسات وحفريات كبيرة فى هذا المجال).
أما وجود البلطة أو الفأس الحجرية فهو في حد ذاته دليل علي وجود بشري أو شبه بشري، وهذا لا يعني بالضرورة وجود حضارة، حيث لا توجد حضارات ترجع لـ 300 ألف سنة؛ لأن البشر وقتها لم يكونوا مؤهلين لإنشاء حضارات مع أنم كانوا موجودين بشكل مؤكد، والأدق علميًا أن نقول تجمعات إنسانية؛ لأن كلمة حضارة لها متطلبات أكثر من مجرد اكتشاف حفرية تعود لإنسان.
فأس العباسية بالمتحف المصري الكبير
محددات الحضارة
بالنسبة للكثير من علماء الآثار، فإن مثل هذه المكتشفات تُصنف غالبًا على أنها لُقي حجرية لأنواع بشرية غير (الهومو سيبيانس) أو الإنسان العاقل، كما أن القدرة علي استخدام الأدوات خاضع للتطور وليس صفة مقصورة علي نوعنا البشري الحالي، وحتى نوعنا البشري الحالي استمر لأكتر من 300 ألف سنة حتى 40 ألف سنة مضت وقدراته بسيطة وتتطور ببطء وليس كالإنسان الحالي؛ لذلك فإن القدرة التجريدية والفن تطورا وظهرا ببطء، إلى أن وصلنا للاكتشافات الكبرى مثل الزراعة من ١٠ آلاف سنة.
والحضارة في أبسط تعريفاتها، هي مجموعة من المُنجزات المادية والمعنوية التي تنتجها جماعة بشرية في مكان وفترة زمنية معينة، وتشمل تلك المنجزات: (الأنظمة السياسية الاجتماعية/ الاقتصاد والتجارة/ العمارة والفن/ الدين والمعتقدات/ العلم والتقنية/ اللغة والكتابة) وبهذا فالحضارة ليست آثار فقط، لكنها طريقة لمعيشة الناس، وتفكيرهم، وتنظيمهم للمجتمع، وأسلوبهم في التعامل مع الطبيعة والآخرين.
يضيف شاكر أن علماء الأثار والأنثروبولوجي استخدموا مجموعة من المعايير والمؤشرات تُسمى (مقياس الحضارة) وكل ما زاد عدد المؤشرات وتحققت بشكل متطور نستطيع أن نقول أننا أمام حضارة، وتشمل هذه المعايير، ما يلي:
1. الاستقرار المكاني (استقرار في مكان معين مش حياة تنقل دائم).
2. الاقتصاد المُنظم (وجود زراعة، صناعة، تجارة).
3. وجود سلطة حاكمة (حكومة أو ملك أو نظام إداري).
4. الطبقات الاجتماعية (تقسيم المجتمع لطبقات أو أدوار مختلفة).
5. العمارة والبنية التحتية (مباني، طرق، معابد، نظام ري).
6. الدين أو العقيدة المنظمة (معابد، كهنة، طقوس، نصوص دينية).
7. الكتابة أو نظام توثيق (كتابة أو رموز لحفظ المعرفة).
8. الإنجاز العلمي أو الفني (تطور في الفلك، الطب، الرياضيات، أو الفنون).
9. الإنتاج الثقافي والتراكمي (نقل المعرفة وتطويرها من جيل لجيل).
10. التأثير الخارجي (قدرتها على التأثير في محيطها أو حضارات تانية)
وبالتالي لو خقق المجتمع (6) مؤشرات من المعايير أو المقاييس السابقة أو أكثر بشكل واضح، نستطيع أن نصف ذلك المجتمع بـ"المتحضر"، أما لو كانت تلك المؤشرات أقل من هذا، فهي تعد ثقافة محلية لمجتمع قبلي متطور، لكنها ليست حضارة كاملة، فالحضارة صناعة بضع عشرات الألاف من السنين.
وقد اكتشف علماء الأنثروبولوجيا، أدوات من قبل العصر الحجري، فهل يعني ذلك أن اسمها حضارة؟، فالحضارة لها تعريف محدد في علم الأنثروبولوجي، كما أن وجود أدوات بدائية ليست كافية لتحديد كونها "حضارة"، فإنسان (النياندرتال) من أسلاف البشر كانت لديهم أدوات ويلبسون جلود حيوانات، فهل يدخل ما تركوه تحت مسمى (الحضارة)؟.
وقد تم التوافق أنه لا توجد حضارة أصلا بعمر أكتر من 7000 سنة، فما كان قبل هذا التاريخ يُسمى "وجود إنسانى"، وببنقسم لقسمين:
ـ وجود إنسانى منظم (متأخر) ونجده في عدة مدن مثل الفيوم، ومرمدة بنى سلامة، وأريحا، وأور، ودمشق وبعلبك.
وجود إنسانى غير منظم (مبكر) مثل كهوف إسبانيا وكرواتيا وفرنسا.
الأحافير البشرية
أما بالنسبة لأقدم حفرية للهومو سيبينس (الإنسان العاقل) فتعود لنحو 300 ألف سنة، وهي مفصولة تماما عن أحافير الهومو هابيليس (الإنسان الماهر) ولا يوجد بينها أي صلة ، وقد أكد عالم الأحافير برنارد وود بأن أحافير (الهومو هابيليس) لا علاقة لها بـ(الهومو سيبينس)، وأن أحافير الهومو سيبينس ظهرت فجأة بدون أي أسلاف واضحة.
وعلى العموم فأن أي اكتشاف أقدم من 300 ألف سنة سيكون أبعد في التشابه، وحتي لو وجدت مثل هذه الأدوات الحجرية من 20 ألف سنة مثلاً يُطلق عليها ثقافات من العصر الحجري الحديث أو الوسيط
النوع البشري الحالي يتطور ومستمر في التطور.
ووفقا لكل ما سبق؛ فإن القول بوجود حضارة يمتد عمرها لنحو ٧٠٠ ألف سنة ليس دقيقا، وربما تعود تلك الأدوات الحجرية لإنسان نيانندرتال؛ لأنه لا يوجد إنسان عاقل أصلا قبل 300 ألف سنة، فقد كان أسلاف رحالة لم يستقروا ولم يقيموا حضارة ترتكز على الزراعة، أما الإنسان العاقل فقد استطاع أن يزرع ويستأنس ويستقر ليس ما قبله من وجود كائن مشابه لم تتوفر له الشروط بعد.
أما الأدوات الأثرية كالبلطة الحجرية، فربما تكون قد صُنعت بواسطة أسلاف البشر المنقرضين (مثل هومو إريكتوس أو هومو هايدلبيرغينسيس)، حتى لو لم تُكتشف أحافيرهم بعد، كما أن استخدام (غياب الأحافير البشرية) لإنكار وجود كائنات بشرية قديمة صنعت الأدوات، مع أن الأدلة الأثرية (مثل البلطة) كافية لإثبات نشاطها، بغض النظر عن اكتشاف أحافيرها.
والهدف مما سبق كله، أننا نخشى فى ظل الهجمة على الحضارة المصرية القديمة من كل الاتجاهات ومحاولات البعض الضرب فى أعمدتها الأساسية وثوابتها التى استقرت على يد علماء من كل أنحاء العالم منذ مئات السنين فى جامعات ومعاهد علمية تدرس علم خاص بها يسمى المصريات، والخشية من أن يكون هذا الكلام تمهيداً لمزاعم بوجود حضارات أقدم من الحضارة المصرية أو الترويج لبعض النظريات المهووسة بأن هناك أناس آخرين أو كائنات فضائية قد قامت بتشكيل الحضارات العظيمة الماثلة أمام أعيننا.
فأس العباسية بالمتحف المصري الكبير