«الإسكارس والبلهارسيا والأنكلستوما».. كيف تعامل قدماء المصريين مع الطفيليات وديدان الرعب؟| صور

23-5-2025 | 16:58
;الإسكارس والبلهارسيا والأنكلستوما; كيف تعامل قدماء المصريين مع الطفيليات وديدان الرعب؟| صور  بردية ايبرس

تُعد الأمراض الطفيلية مجموعة من الأمراض التي تُسببها كائنات حية تُعرف باسم الطفليات، وتعيش هذه الطفيليات داخل أو على كائنات حية أخرى، تُسمى العوائل، وتستمد منها غذاءها وحمايتها، مما قد يُسبب ضررًا للعائل، وكان للمصريين القدماء، تعاملهم الخاص لمواجهة هذه الأمراض شديدة الانتشار.

موضوعات مقترحة

وفي هذا المقال، نمزج بين الحقائق الطبية الحديثة، وما ورد في البرديات الطبية القديمة؛ لشرح كيفية مواجهة تلك الأمراض في تكامل بين حقائق العلم وسجلات التاريخ.

طرق انتقال الأمراض الطفيلية

تنتقل الأمراض الطفيلية بطرق متعددة، منها:

 * الماء والغذاء الملوثان: كما يحدث في حال انتقال الأميبا وديدان الإسكارس.

 * الناقلات: كالحشرات التي تنقل الطفيليات من كائن حي إلى آخر، مثل أنثى البعوضة التي تنقل طفيل الملاريا.

* التربة الملوثة: بيرقات الطفيليات.

الأمراض الطفيلية في مصر القديمة

انتشرت بعض الأمراض الطفيلية في مصر القديمة؛ نظرًا لملائمة ظروف بيئتها لطبيعة الحياة آنذاك، ومن أشهر هذه الطفيليات التي ذُكرت طرق علاجها في البرديات المصرية القديمة هي:

داء الأنكلستوما

داء الأنكلستوما إحدى الأمراض الطفيلية، سُميت في البرديات المصرية القديمة باسم "pnd" أو "بند"، وتم ذكرها في بردية إيبرس.

والأنكلستوما، ديدان صغيرة الحجم، تعيش في الأمعاء الدقيقة، تمتص دم الإنسان وتُسبب له نزيفًا مستمرًا، مما يؤدي إلى إصابته بفقر الدم وضعف في القوى الجسدية والحيوية، وهزال شديد قد يفتك بالمريض.

وقد تم وصفها خلال البردية كما يصفها الطب الحديث:"إذا فحصت شخصًا متألمًا من معدته ووجدت لونه كالميت، ويشكو من ألم في جانبيه، وكان بطنه ضامرًا لا يقبل الطعام، ومعدته متضايقة إذا دخلها شيء، فقل إن ذلك نتيجة للإصابة بدود بند، فداووه بالعقاقير الشديدة، بعد ما نعمل له كمادات بماء الشعير".


ديدان الانكلستوما

داء الإسكارس

كانت ديدان الإسكارس معروفة في مصر القديمة، وبنسبة كبيرة هي التي ذُكرت تحت اسم "HfAt" أو "حفت" في البرديات المصرية القديمة، كما عُثر عليها في مومياء محفوظة الآن بالولايات المتحدة.

تُعد هذه الديدان واحدة من أكثر الديدان المعوية انتشارًا؛ لأنها تُصيب الإنسان بسبب تواجد يرقاتها في الغذاء والماء والتربة.

ومن أهم العوامل التي تزيد من سرعة انتشار الإصابة بهذه الديدان هو الأطعمة الملوثة ببقايا البراز الذي يحتوي على يرقات الإسكارس، فبعد ابتلاع اليرقات ووصولها إلى الأمعاء الدقيقة، تعمل على تحطيم الأنسجة الظهارية والمخاطية، وأحيانًا تصل إلى الأنسجة تحت المخاطية. وفيما بعد، تنتقل عن طريق الدورة الدموية مسببة خراجات والتهابات في الكبد.


ديدان الاسكارس

البلهارسيا

تُعد البلهارسيا من الأمراض الطفيلية التي لا تزال تمثل مشكلة صحية كبيرة في مصر حتى يومنا هذا. فمنذ عصر ما قبل الأسرات، وُجدت آثار البلهارسيا بشكل مباشر وغير مباشر في بقايا المومياوات المصرية.

أما في عصر الأسرات، فقد تم التعرف على البلهارسيا من خلال الأشخاص الذين كانوا يعانون من قصر نظر شديد بسبب عدم قدرتهم على تمييز الأشياء الصغيرة جدًا.

وقد اكتشف العالم "روفر" بويضات دودة البلهارسيا المتكلسة داخل الكلى في اثنتين من مومياوات الأسرة العشرين. كما تم اكتشافها بشكل غير مباشر بالعثور على مظاهر أخرى لعدوى البلهارسيا وأثرها في تشريح مومياء الملك رمسيس الخامس، والتي أفصحت عن ظاهرة التثدي، وتضخم كيس الصفن، وفتق سري، هذه الأعراض هي جميعها مضاعفات البلهارسيا طويلة الأمد.

تشير الأدلة بقوة إلى أن داء البلهارسيا كان منتشرًا في مصر القديمة، حيث كانت نسبة الإصابة قريبة من الأرقام المقدرة اليوم. عندئذٍ، كان من الممكن أن يصاب غالبية السكان بها.

ويُرجح أن البلهارسيا هي مرض "aAa" المذكور 28 مرة في البرديات الطبية المصرية القديمة، وقد استُخدم للدلالة عليها مخصص يدل على النزيف البولي المصاحب لـ بلهارسيا الهيماتوبيوم، وهو النزيف الطفيلي الذي تُسببه الإصابة.

والجديربالذكر أن هناك ثلاثة أنواع رئيسية من هذه الديدان المفلطحة، يوجد منها في مصر نوعان فقط هما:

* المَنسونية (Schistosoma mansoni): وهي بلهارسيا المستقيم.

* الهيماتوبيوم (Schistosoma haematobium): وهي بلهارسيا المجاري البولية.

ودورة حياة البلهارسيا معقدة للغاية، وتتم عن طريق عائلين: الأول هو الإنسان، والثاني هو قواقع المياه العذبة التي تعيش في الترع.

وتحدث الإصابة بالبلهارسيا عند الاستحمام أو الغوص بالأرجل في مياه تحتوي على السركاريا التي تخرج من القواقع وتخترق الجلد، ومنها إلى الأوردة، كما أن الفئات التي يرتفع لديها معدل الإصابة بها هم المنخرطون في المهن التي يغلب عليها الطابع المائي، وتحديدًا الماء العذب. 

إضافة إلى ذلك، فإن طبيعة حياة الفلاح فى مصر القديمة كانت تُعرضه باستمرار للتربة والمياه الملوثة لفترات طويلة.

هناك إشارة إلى وصفة طبية في "بردية إيبرس" تشير إلى استخدام مادة البلانيت في علاجها، وهي عبارة عن مادة طاردة للديدان.

وبشكل عام، استخدم المصري القديم بعض العقاقير لعلاج الديدان الطفيلية في الأمعاء، مثل:

* العقاقير العشبية: ورق الصمغ العربي، الشعير، القمح، الخروب، الكمون، عشب السعادي، البلح، اللوز الجبلي، ثمار العرعر، زيت الصنوبر، الجميز، جذور الرمان، وخشب الدود.

 * العقاقير المعدنية: ملح الدلتا، النطرون، الأوكر الأحمر، الملاكيت، كربونات النحاس، وزيت الصحراء.

* العقاقير الحيوانية: العسل، الزيت الأبيض، زيت الثور، ودهن الأوز.

* المواد الحاملة: البيرة، اللبن، والنبيذ.


دورة حياة البلهارسيا

دودة غـينيا

هذا المرض تم القضاء عليه جذرياً في مصر، الا أنه كان منتشرًا حتى وقت قريب، والإصابة بهذا الطفيل كانت مشكلة صحية كبرى في مصر القديمة.

ولهذه الدودة دورة حياة معقدة جدًا؛ حيث تدخل يرقات الدودة جسم الإنسان عن طريق مياه الشرب الراكدة محدثة تورمًا في الأطراف السفلية، وقرح شديدة في الكاحل، قد تؤثر على الحركة مع وجود البثرة الأولية مصحوبة باحمرار وتصلب وتسبقها حمى خفيفة وطفح مع حكة شديدة وأعراض من الغثيان والقيء والإسهال والدوخة، على مدار ما يصل لعدة أيام، ثم تتمزق البثرة لكشف الدودة البالغة، ولم يجد الأطباء في الطب الحديث طريقة أفضل من  سحب الدودة يدويًا عن طريق لفها على عصا، وكانت عادة ما تتم هذه العملية من الأطراف السفلية خاصة تحت الركبتين.

وربما يدهشك أن تعرف أنه تم ذكر هذه الدودة في بردية إيبرس باسم   "aAt"، كما تم العثور عليها متكلسة في جدار البطن لإحدى المومياوات، وبها بتر فوق الركبة للساق اليمنى، وآخر تحت الركبة للساق اليسرى وربما كان هذا البتر نتيجة للإصابة بالديدان المؤنثة، أدت إلى التهابات ومضاعفات شديدة استلزمت ذلك البتر، وهذه المومياء محفوظة الأن بمتحف ما نشتر للمومياوات.

وجاء تفاصيل علاج دودة غينيا في ببردية إيبرس "إذا فحصت نتوءات في أي من قدمي إنسان ووجدت نتوءات تتحرك يمينا ويساراً تحت الجلد" في هذه الحالة يتم العلاج بالمشرط، عليك أن تشق الجلد بمشرط ثم تلتقط ما بداخله، ستجد شيئاً يشبه أمعاء الفار"، وذلك عن طريق لف الدودة حول قطعة صغيرة من الخشب ويتم جذبها ببطء شديد وبعناية حتى يتم استخراجها بالكامل من الجسم.


دورة حياة دودة غينيا

رنا التونسي

باحث دكتوراه فى التاريخ والأثار المصرية القديمة بكلية الآداب جامعة طنطا

رئيس لجنة البحوث والدرسات الآثرية بحملة الدفاع عن الحضارة، نائب رئيس الحملة


رنا التونسي باحث دكتوراه بقسم الآثار بكلية الآداب جامعة طنطا

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة