تساءلت الكاتبة أروى مهداوي، في مقالها بصحيفة الجارديان البريطانية، عما سيقوله العالم للأجيال القادمة عندما تقرأ برعب عن غزة وما حدث فيها من إبادة جماعية تم بثها على الهواء مباشرة.
موضوعات مقترحة
وكتبت مهداوي أنه "بينما تُنفذ إسرائيل (حلا نهائيا) الآن في غزة، وبعد فوات الأوان على المعارضة لإحداث أي تغيير، بدأ الوضع يتغير ببطء.. فبعد أن سُويت غزة بالأرض، وتحولت إلى مقابر جماعية وأنقاض، بدأ من التزموا الصمت طوال الأشهر التسعة عشر الماضية بالتحدث ببطء.. والآن، بعد أن توقفت إسرائيل والولايات المتحدة عن التظاهر بأنهما لا تنويان تفريغ غزة والضفة الغربية من الفلسطينيين، أو (السيطرة) على كامل الأرض، بدأت بعض الانتقادات تتدفق".
وقالت إن "المملكة المتحدة، وبعد 19 شهرا من العنف الإبادي وما يقرب من ثلاثة أشهر من حملة تجويع، قررت وصف الوضع بأنه فظيع، وهددت المملكة المتحدة، إلى جانب فرنسا وكندا، باحتمالية وجود رد (ملموس) إذا استمر القتل الجماعي والتجويع".
غير أن مهداوي، أكدت أن "كل هذا قليل ومتأخر للغاية، فهو لن يُعيد الطفلة هند رجب ذات الخمس سنوات التي قُتلت عندما أطلق جنود إسرائيليون 335 رصاصة على السيارة التي كانت الطفلة المذعورة محاصرة فيها، أو عمال الإغاثة الذين أعدمتهم إسرائيل ودُفنوا في قبور ضحلة.. كما أن هذا الأمر لن يُعيد بناء المستشفيات ورياض الأطفال ومراكز التلقيح الصناعي والجامعات التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي بشكل ممنهج، ولن يُعيد أطراف أطفال غزة - أكبر فئة من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم - ولن يُصلح الضرر طويل الأمد الذي ألحقه سوء التغذية وما يقرب من عامين من الحرمان من التعليم بجيل كامل".
ورأت أن "الانتقادات التي نراها الآن ليست سوى محاولة للتغطية، مجرد معارضة تمثيلية، حتى يتمكن السياسيون والإعلاميون المسؤولون عن تمكين وتبرير هذا الفظائع التي ارتكبت على مدار 19 شهرا، في المستقبل، عندما يتضح حجمها الحقيقي، من القول: انظروا! لقد قلتُ شيئا، لم أقف مكتوف الأيدي".
وتساءلت مهداوي: "وماذا ستقولون؟ عندما تقرأ الأجيال القادمة عن غزة برعب، وتتساءل كيف سمح العالم الغربي، بكل تفوقه الأخلاقي، ونظامه القائم على القواعد، وتركيزه على القانون الدولي لحقوق الإنسان، بوقوع إبادة جماعية تُبث على الهواء مباشرة، ماذا ستقولون؟ عندما تعلم الأجيال القادمة أننا، لمدة 19 شهرا، استيقظنا كل صباح على مقاطع فيديو لأطفال يُحرقون أحياء - يُقصفون بأسلحة ساهم دافعو الضرائب الأمريكيون في دفع ثمنها، وساهم العالم الغربي في تبريرها - هل ستتمكنون من القول إنكم تكلمتم؟".
وقالت الكاتبة: إن "الكثير من الناس العاديين سيكون بمقدورهم رفع رؤوسهم عاليا والقول إنهم لم يصمتوا، مثل الطلاب الذين طُردوا من جامعة كولومبيا بسبب احتجاجهم على الحرب وغيرهم ممن خاطروا بمستقبلهم باسم العدالة"، مشددة على أن "أصحاب السلطة الحقيقية لن يتمكنوا من قول الشيء نفسه؛ ولن يتمكنوا من غسل أيديهم من الدماء".
ورجحت أن يُلقى باللوم في نهاية المطاف على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في كل هذا الرعب، بينما يحاول آخرون تبرئة أنفسهم، رغم أنه ليس المسؤول وحده عن هذه الإبادة بل تقع المسؤولية على عاتق كبار زعماء الغرب أيضا.
وأكدت مهداوي، أن "الأوان قد فات لتحقيق العدالة الحقيقية في غزة الآن، فلن نتمكن أبدا من إعادة الأطفال القتلى أو محو ما حدث.. لكن مع ذلك لم يفت الأوان بعد للمساءلة، ويجب توثيق الفظائع وإحصاء القتلى في غزة بدقة حتى نعرف عدد القتلى".
وفي ختام مقالها قالت مهداوي: إن "كل من التزم الصمت حتى الآن، مُقنعا نفسه بأن كل هذا مُعقد للغاية بحيث لا يُمكن التحدث عنه، فلم يفت الأوان بعد لرفع صوته، فما يحدث في غزة يختلف عن الأهوال التي تحدث في أي صراع آخر حول العالم، ولن تنسى الأجيال القادمة الصمت حيال هذه الإبادة الجماعية".