في تأكيد جديد على ريادتها الدولية في حماية التراث الثقافي ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، نظّمت جمهورية مصر العربية، اليوم ، فعالية جانبية رفيعة المستوى بعنوان "مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية: نحو أطر أقوى للعدالة الجنائية"، وذلك على هامش أعمال الدورة الرابعة والثلاثين للجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية التابعة للأمم المتحدة (CCPCJ) بمقر المنظمة في فيينا.
موضوعات مقترحة
وشهدت الفعالية، حضورًا دبلوماسيًا وأمميًا لافتًا، بمشاركة عدد من السفراء والخبراء الدوليين والجهات الأممية، أبرزهم المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، غادة والي، التي أشادت بدور مصر الريادي في ملف حماية التراث الثقافي ومحاربة شبكات الإتجار غير المشروع، مشيرة إلى أن القاهرة تقود أحد أهم المسارات الدولية في هذا المجال.
وقد جاءت الفعالية بتنظيم مصري مباشر، وبدعم مشترك من عدة دول ومؤسسات دولية، شملت قبرص، فرنسا، اليونان، إيطاليا، المملكة المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وائتلاف الآثار (The Antiquities Coalition)، ما يعكس وحدة الموقف الدولي تجاه أهمية حماية التراث الثقافي الإنساني من جرائم النهب والتهريب.
وأعربت غادة والي في كلمتها عن تقديرها العميق لمصر، قائلة اسمحوا لي أن أوجه الشكر لحكومة جمهورية مصر العربية على قيادتها هذا الملف الهام لعدة سنوات، وعلى تنظيم هذه الفعالية الهامة التي تجسد التزامًا دوليًا ملموسًا.
وتناولت الفعالية الأبعاد المتعددة لهذه الجريمة المعقدة، حيث شددت والي على أن الاتجار بالممتلكات الثقافية لا يهدد فقط التراث الثقافي، بل يُقوّض الهويات، ويغذي النزاعات، ويُستخدم كأداة تمويل في سياقات إرهابية، خاصة في مناطق النزاعات وما بعدها.
وأكدت أن هذه الجرائم تحرم الشعوب من مصادر فخر ودخل، وتُضعف التماسك الاجتماعي، داعية المجتمع الدولي إلى سد الثغرات التشريعية، وتعزيز قدرات السلطات القضائية والأمنية، وإشراك الشباب والمجتمع المدني في جهود الحماية.
سلّطت الفعالية الضوء على مبادرة “العمل المشترك ضد الاتجار بالتراث الثقافي” (CATCH)، التي أطلقها مكتب الأمم المتحدة بالتعاون مع الإنتربول واليونسكو، كأداة إستراتيجية لمواجهة هذه الجريمة بشكل إقليمي وعالمي.
وتقوم المبادرة، التي بدأت بتمويل أولي من قبرص، على توفير تدريبات متقدمة في مجالات مثل تحليل المعلومات مفتوحة المصدر، كشف تزوير الوثائق، وتدريب القضاة والمدعين العامين، وقد تم تنفيذ برامج منها في مصر ولبنان، بدعم من المملكة المتحدة.
كما أعلن المكتب عن عزمه عقد اجتماع إقليمي موسع في القاهرة أكتوبر المقبل (2025)، لتعزيز التعاون بين الدول المعنية ومؤسسات التراث والعدالة الجنائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
دعوات للتحرك الدولي وتوسيع الشراكات
في ختام كلمتها، وجهت والي ثلاث دعوات محورية:
1. توسيع مبادرة CATCH لتشمل مناطق جديدة خارج المتوسط.
2. تنفيذ تحليل شامل حول الفاعلين الإجراميين ونماذج الاتجار.
3. إشراك القطاع الخاص والمنصات الرقمية في تتبع provenance (سجل الملكية) للممتلكات الثقافية.
وقالت لقد آن الأوان لنقاش واسع مع جميع المؤسسات المعنية بالتراث، من المتاحف إلى دور المزادات والمنصات الرقمية، لإنهاء الإفلات من العقاب ووضع حد لغموض السوق السوداء.
مصر من الحماية المحلية إلى التأثير العالمي
منذ سنوات، تقود مصر جهودًا بارزة لاستعادة الآثار المنهوبة، وتطوير التشريعات الوطنية، وبناء شراكات دولية لحماية تراثها الذي يُعد جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة الإنسانية.
ويؤكد تنظيمها لهذه الفعالية في الأمم المتحدة أن القاهرة لم تعد فقط تدافع عن آثارها، بل أصبحت صوتًا عالميًا لحماية التراث الثقافي الإنساني، خاصة في مواجهة تصاعد تهديدات التنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة.