في الوقت الذي تتزايد فيه شعبية السجائر الإلكترونية ومنتجات التبخير بين المراهقين والشباب، تلوح في الأفق مخاطر صحية جسيمة قد لا يدركها الكثيرون. "EVALI"، أو إصابة الرئة المرتبطة بالتدخين الإلكتروني والتبخير، أصبح اسمًا يتردد في الأوساط الطبية كمرض خطير يستدعي أعلى درجات الحذر، بخاصة أن ضحاياه غالبًا ما يكونون من الفئات العمرية الصغيرة.
موضوعات مقترحة
"بوابة الأهرام" التقت الدكتور ياسر مصطفي محمد، أستاذ أمراض الصدر، ليضيء لنا الجوانب الخفية لهذا المرض، مؤكدًا خطورته البالغة على الرئة ومستقبل أجيالنا..
EVALI"" إصابة رئة غادرة.. الأعراض ومؤشراتها الصامتة
يستهل الدكتور ياسر حديثه محذرًا من طبيعة مرض EVALI الخادعة: "الأعراض قد لا تظهر فورًا، مما يمنح الشاب شعورًا زائفًا بالأمان. لكن مع الاستخدام المستمر، تبدأ الرئة في الصراخ. نرى حالات تعاني من ضيق شديد في التنفس، سعال مزمن، وألم في الصدر. قد يصاحب ذلك أعراض عامة مثل الحمى والقشعريرة، أو حتى مشاكل هضمية كالغثيان والقيء. ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو أن هذه الأعراض قد تتفاقم بسرعة مذهلة، لتصل إلى درجة الفشل التنفسي الحاد الذي يستدعي التدخل العاجل ووضع المريض على جهاز التنفس الصناعي، وهو مشهد مؤلم لطفل أو شاب في مقتبل العمر".
السجائر الإلكترونيةلماذا تستهدف الرئة؟ الدكتور ياسر يفضح السموم الخفية:
عند الحديث عن أسباب EVALI، يوضح الدكتور ياسر أن السجائر الإلكترونية ليست مجرد "بخار ماء" كما يروج البعض. "لقد أثبتت الأبحاث بشكل قاطع أن أسيتات فيتامين هـ، وهي مادة تُضاف أحيانًا بشكل غير قانوني إلى بعض سوائل التبخير التي تحتوي على المادة الفعالة في الحشيش (THC)، هي المسبب الرئيسي للعديد من حالات EVALI. هذه المادة، عند استنشاقها، تتحول داخل الرئة إلى مادة زيتية تسبب التهابًا شديدًا وتلفًا للخلايا الرئوية، وكأنها تحرق الرئة من الداخل".
وحذر الدكتور ياسر من أن الأمر لا يقتصر على ذلك. حتى السوائل الإلكترونية التي لا تحتوي على THC، قد تحتوي على مواد كيميائية أخرى ضارة، مثل النكهات الاصطناعية التي تتحول إلى مركبات سامة عند تسخينها، والمعادن الثقيلة التي قد تتسرب من أجهزة التبخير نفسها. هذه المواد، مجتمعة، تشكل قنبلة موقوتة داخل رئة الشاب.
اقرأ أيضا:
كاليفورنيا تسعى لحظر السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد بحلول 2026
استهلاك التبغ بين الشباب الأمريكيين يسجل أدنى مستوى له منذ 25 عاما
خطورة مضاعفة على المراهقين والشباب.. أسباب تدعو للقلق
يركز الدكتور ياسر بشكل خاص على الفئات العمرية الأصغر: "المراهقون والشباب هم الأكثر عرضة لخطر EVALI ومضاعفات التدخين الإلكتروني بصفة عامة، لعدة أسباب:
1- هم الفئة الأكثر تجريبًا للسجائر الإلكترونية تحت تأثير أقرانهم أو الحملات التسويقية المضللة.
2- رئتهم لا تزال في طور النمو والتطور، وبالتالي تكون أكثر حساسية للتلف الناتج عن المواد الكيميائية السامة.
3- تحتوي معظم السوائل الإلكترونية على النيكوتين، وهو مادة شديدة الإدمان تؤثر سلبًا على نمو الدماغ لدى المراهقين، مما يؤثر على التركيز، الذاكرة، القدرة على اتخاذ القرار، وحتى التحكم في الانفعالات.
4- الكثير منهم يجهل حقيقة المخاطر الصحية المرتبطة بالتدخين الإلكتروني، ويعتبرونه مجرد 'بخار' غير ضار".
العلاج والوقاية.. رسالة حاسمة من أستاذ أمراض الصدر
يؤكد الدكتور ياسر أن العلاج الفوري والرعاية الطبية المكثفة ضرورية في حالات EVALI، والتي قد تشمل إعطاء الأكسجين، الكورتيكوستيرويدات لتقليل الالتهاب، وحتى جهاز التنفس الصناعي في الحالات الشديدة. "لكن الأهم من العلاج"، يشدد الدكتور ياسر، "هو الوقاية. وهي بسيطة وواضحة: توقفوا عن استخدام السجائر الإلكترونية تمامًا. لا يوجد مستوى آمن للاستخدام، ومخاطرها تتجاوز بكثير أي متعة وهمية".
السجائر الإلكترونيةويختتم الدكتور ياسر حديثه برسالة قوية إلى الشباب والأهالي: "إلى كل شاب، صحتك ومستقبلك أغلى ما تملك. لا تقع فريسة لتسويق الخداع. السجائر الإلكترونية ليست بديلاً آمنًا، بل هي تهديد مباشر لرئتيك وحياتك. وإلى كل ولي أمر، تحدثوا مع أبنائكم، ثقفوا أنفسكم بمخاطر هذه المنتجات، وكونوا قدوة حسنة لهم. حماية أجيالنا من هذا الوباء الصامت مسؤولية مشتركة، وإلا فإننا سنواجه جيلًا يعاني من أمراض الرئة مبكرًا، جيلًا لم تكتمل رئته بعد، ولكنها تهالكت بفعل سموم التدخين الإلكتروني".