فلاح من المهندسين يقضي يوماً مع زوجته وابنه في قصر عابدين.. فماذا حدث؟
موضوعات مقترحة
"المواطن" يخلع حذاءه قبل التجول في القصر.. وابنه يرفض "حمام الملك"
"بلاليص الملك" ومكالمة تليفون وحفلات "حسين الفحل".. أبرز كواليس التحقيق الذي نشر بقرار من الرئيس عبد الناصر
الكاتب الكبير صلاح منتصر لم تكن علاقته بمجلة "الشباب" مثل عشرات الكتاب الكبار الذين تواجدوا علي صفحاتها طوال تاريخها، فكونه أستاذا لرئيس تحريرها الراحل عبد الوهاب مطاوع جعله من أوائل الذين طلب منهم كتابة مقالات بالمجلة، وبالفعل ظهر في بداية التسعينيات وظل يكتب بانتظام لنحو 30 عاما، وعلي صفحاتها ظهر في نحو 20 حوارا صحفيا .. وفي مقرها تم الاحتفال بخروجه على المعاش في وجود أستاذ الجميع محمد حسنين هيكل وكبار رجال الفكر والثقافة.
وتمر هذه الأيام الذكرى الثالثة لرحيل صلاح منتصر، وهي مناسبة نتوقف فيها ليس مع آخر ما كتب كما اعتاد كثيرون في مثل هذه المناسبات، ولكننا سنعود إلى أول ما كتب .. كلمته الأولى التي كتبها كصحفي ظل ممسكا لقلمه لنحو 70 عاما.
الكاتب صلاح منتصر
الكاتب صلاح منتصر
المكان
اللواء عابدين باشا الأرناؤوطي قائد عسكري ألباني ظهر بقوة في فترة حكم محمد على وكان من كبار قادة جيشه، وقام بتشييد قصر صغيرعاش فيه مع زوجته فى جزء من مقر القصر الحالى، وبعدما تولى الحكم إسماعيل باشا قرر النزول من القلعة وبناء قصر وسط القاهرة ليكون مقراً للحكم، واختار مكان قصر عابدين باشا بجانب مساحات شاسعة من الأراضي حوله، وتكفي الإشارة لفخامة القصر كون مكتبته بها 55 ألف كتاب، ويضم مسرحاً كل كراسيه مذهبة، وهناك جناحان ملكيان، ويضم أثاثاً فخماً لا يقدر بثمن، ومن كثرة التحف الفنية بالقصر أصبح به 5 متاحف (المتحف الحربي، متحف السلام، متحف مقتنيات أسرة محمد علي باشا، متحف الوثائق التاريخية، متحف الفضيات)، وقد صممه المهندس ديكورل دي روسو الذي يحكي في مذكراته أن الخديو إسماعيل طلب منه تشييد قصر لا يوجد مثيل له في العالم، وتكلف - حسب أسعار عام 1874- نحو 600 ألف جنيه مباني و2 مليون جنيه مفروشات وزخارف وتم بناؤه على مساحة 24 فداناً ويضم 500 غرفة وقاعة والأرضيات مطعمة بالمرمر والحوائط تضم لوحات غير موجودة في أشهر متاحف العالم.
الكاتب صلاح منتصر
الكاتب صلاح منتصر
ثورة 1952
بعد ثورة يوليو 1952 .. محمد نجيب كان يحكم من قصر عابدين، بينما الرئيس عبد الناصر قرر البقاء في منزله وفتح القصر للجمهور.. وبعد عام واحد من حركة الضباط الأحرار شهدت مجلة آخر ساعة ظهور صحفي عمره 19 سنة جاء ليتدرب تحت قيادة رئيس تحريرها محمد حسنين هيكل، وكانت أول فكرة عرضها على رئيس التحرير للاحتفال بالذكرى الأولى لثورة يوليو.. هي القيام بزيارة غير تقليدية لقصر عابدين، وبما أن النظام الجديد قرر فتح القصر أمام الشعب.. فما المانع من اصطحاب أسرة فقيرة لكي تقضي يوماً هناك؟ ببساطة مادامت الثورة من مبادئها العدالة الاجتماعية .. وتم القضاء على الحكم الملكي الظالم، فمن حق الشعب "الغلبان" أن يصبح هو "الملك" ولو ليوم واحد فقط.
الكاتب صلاح منتصر
الكاتب صلاح منتصر
فلاح على العرش
منذ 18 عاماً خلال الاحتفال بعيد ميلاد مجلة "الشباب" .. وافق رئيس التحرير الأستاذ لبيب السباعي - رحمه الله- على فكرة بعنوان "أول كلمة في حياتهم" تناولت حكايات كبار الكتاب عن أول موضوع صحفي ينشر لهم، وروي الأستاذ صلاح منتصر - لكاتب هذه السطور- قصة موضوعه الأول "الشعب يجلس على العرش"، وقتها كانت القاهرة تختلف كثيراً عن التي نعيش فيها اليوم، فعندما أراد الشاب صلاح منتصر البحث عن عائلة فقيرة معدمة .. ذهب إلى قرية "الحوتية".. والتي هي اليوم منطقة المهندسين الراقية! وهناك قابل فلاحاً اسمه محمد عبد الله سليم وزوجته وابنه البالغ من العمر 3 سنوات، وفي يوم الخميس 9 أبريل 1953..
دخل من باب القصر الملكي الوفد المسئول عن القصر ومعهم الفلاح الذي لا تتعدي يوميته 10 قروش، ولفت نظر الفلاح في البداية نوع النباتات المزروعة في حكاية القصر وقال "هو الملك كان بيزرع بطاطا ليه؟" والحكاية الاولى التي شاهدها صلاح منتصر أن محمد عبد الله سليم "رمز الشعب" بمجرد دخوله القصر الملكي خلع حذاءه ووضعه تحت باطه.. فقد خاف أن يتسخ السجاد، والحكاية الثانية أن زوجته كل ما اهتمت به أنها سألت عن مكان "حمام الملك" وذهبت لأن ابنها كان يريد "فك زنقته"، وعندما جلس الولد على الحمام "الأفرنجي" خاف وظل ساكناً... وبمجرد أن وقف على قدميه و"قضى حاجته" على الأرض .. بعدها كان المشهد الأيقوني لهذا التحقيق الصحفي ... جلس الرجل وزوجته على الكرسي الخاص بالملك في قاعة اجتماعات لكي يكتبوا مع الصورة "الشعب يجلس على العرش".
الكاتب صلاح منتصر
الكاتب صلاح منتصر
كواليس
الراحل صلاح منتصر روى لنا بعض كواليس هذا التحقيق، قال إنه عندما دخل آخر ساعة لأول مرة وجد كتيبة من الصحفيين الصغار والكبار الذين تعلم معهم ومنهم، مثل صلاح جلال وعلي حمدي الجمال وأنيس منصور وصلاح هلال وكمال الملاخ وضياء الدين بيبرس وموسى صبري ونبيل عصمت وسعيد سنبل وجميل عارف وكامل الشناوي ومحمد التابعي وايزيس فهمي وجليل البنداري وإبراهيم المصري ومحمد وجدي قنديل وغيرهم، لذلك كانت المنافسة كبيرة وعليه اختيار أفكاره بدقة، وأضاف أنه طلب من الفلاح استخدام التليفون الخاص بالملك .. وتم تصويره بالفعل لكن الحقيقة أن الرجل لم يكن يتصل بأحد لأنه لم يعرف أحداً لديه تليفون، وعندما دخل مع زوجته وابنه للمسرح جلس وكأنه يشرح لها بكل ثقة وقال "هنا كان الملك بيتفرج علي شكوكو وعلي الكسار وحسين الفحل"، وعندما شاهد "الفازات" الخزف المزخرفة التي لا تقدر بثمن قال: أهي دي بقي البلاليص الملوكي! وعندما دخلا إلى جناح الملك كل ما كان يشغل الزوجة هو نوع المفروشات على السرير الملكي وسألت: هو المتر من ده بكام؟.
الكاتب صلاح منتصر
الكاتب صلاح منتصر
وأضاف صلاح منتصر: بعد كتابة التحقيق كان لابد أن يمر على الرقيب أولاً قبل الطباعة، وكنت خائفاً من عدم نشره، ويومها بينما كنت أتابع الرقيب من بعيد وهو يتصفح موضوعات العدد الجديد الصادر بتاريخ 15 إبريل 1953 دخل إلى قاعة التحرير رئيس التحرير هيكل ومعه ضابط برتبة بكباشي عرفت فيما بعد أنه جمال عبد الناصر، ووقف الاثنان مع الرقيب يتصفحان الموضوعات، وعرفت فيما بعد أن التحقيق أعجب البكباشي عبد الناصر وبالتالي قرر الرقيب إجازته رغم أنه قبلها كان سيرفض نشره، لكن بعد الطباعة ظهرت مشكلة .. فقد نسي عامل الجمع وضع حرف الراء من اسمي الذي ظهر في نهاية الموضوع ببنط صغير " صلاح منتص"، فأمر الأستاذ هيكل بإضافة حرف الراء بطريقة ما علي المطبعة بالخط .. ولذلك كان شكل الاسم غريباً بعض الشيء.
الكاتب صلاح منتصر
الكاتب صلاح منتصر
حلواني
روي الأستاذ صلاح منتصر أنه لظروف نشأته في دمياط كان يتمني أن يصبح حلوانياً مثل معظم أفراد أسرته، كما أن والده كان يملك محل ألبان، ولكن في النهاية استقر الأمر على سفره للدراسة بالقاهرة، وخلال دراسته بكلية الحقوق كتب أخباراً في جريدة الأخبار التي كانت تصدر قبل إصدار جريدة الاخبار الحالية التي أسسها مصطفى أمين، وبعد التخرج تقدم للتمرين على العمل الصحفي في مجلة "الجيل" وكان رئيس تحريرها إسماعيل الحبروك، وكان في الوقت نفسه يعمل موظفا بمصلحة الطيران المدنى، ولكنه قرر الانتقال إلى آخر ساعة انبهاراً برئيس تحريرها الشاب محمد حسنين هيكل.
صلاح منتصر أم أنيس منصور؟
هناك عشرات الصفحات على الإنترنت التي تنسب تحقيق "الشعب يجلس على العرش" للكاتب الكبير أنيس منصور، بل وبعض الصحف الكبرى تنشر القصة على لسان أنيس منصور وتسبقها بعبارة "سبق وروي"، لكن هذا بالطبع ليس صحيحاً لسببين.. أولهما أن أنيس منصور كان بالفعل ضمن كتاب مجلة آخر ساعة وقتها لكنه كان أديباً يكتب قصصاً ولا يقوم بموضوعات صحفية، والثاني .. وهو سبب عجيب الحقيقة.. أن كل القصص التي تؤكد أن التحقيق قام به أنيس منصور تشير لأنه روى قصته كاملة في مقال له بصحيفة المصري اليوم نشره في يونيو 2014 .. فكيف ذلك وهو توفي في 21 أكتوبر 2011؟