في ساعات الليل المتأخرة، بينما يخلد العالم للنوم، يجلس ملايين الأشخاص يحدقون في شاشات هواتفهم، يتصفحون منصات التواصل أو يشاهدون حلقات متتالية من مسلسل لا يمكنهم تذكر اسمه في الصباح. لا لأنهم لا يشعرون بالتعب، بل لأنهم ببساطة يرفضون النوم. هذه الظاهرة التي باتت شائعة بين الشباب والعاملين، تُعرف علميًا بـ"المماطلة الانتقامية قبل النوم" أو Revenge Bedtime Procrastination، وهي أكثر من مجرد عادة سيئة، بل صرخة نفسية صامتة ضد الضغوط اليومية.
موضوعات مقترحة
ما هي المماطلة الانتقامية؟
و يشير هذا المصطلح إلى تأجيل موعد النوم عمدًا رغم الشعور بالإرهاق، دون وجود سبب ضروري لذلك، كالدراسة أو العمل. ويعود أصل المصطلح إلى الصين، حيث بدأ الناس يصفون لجوءهم للسهر باعتباره "انتقامًا من النهار المسروق"، في إشارة إلى الحياة اليومية المرهِقة التي لا تتيح وقتًا شخصيًا كافيًا.
هذا وقتي الوحيد لنفسي
في لقاء مع "مي عطالله"، موظفة في شركة تكنولوجيا تعمل بدوام كامل، تقول: "أقضي يومي كله في اجتماعات وضغوط، وعندما أعود للمنزل، لا أملك أي طاقة لفعل شيء. لكن في الليل، أشعر بأن الوقت لي وحدي. لا أريد أن يضيع أيضًا في النوم".
مي ليست حالة فريدة، بل تمثل فئة عريضة من الشباب الذين يشعرون أن ساعات الليل المتأخرة هي المساحة الوحيدة التي يملكونها بحرّية، بعيدًا عن متطلبات العمل والأسرة والمجتمع.
اقرأ أيضا:
نبتة طبية رخيصة الثمن تخلص الكبد من السموم وتكافح الأرق وتساعد على الهضم
نبتة طبية رخيصة الثمن تخلص الكبد من السموم وتكافح الأرق وتساعد على الهضم
الجانب النفسي.. تعبير عن فقدان السيطرة
يقول الدكتور علاء الغندور، استشاري التأهيل السلوكي و المعرفي: "المماطلة الانتقامية قبل النوم تعكس شعورًا دفينًا بفقدان السيطرة على اليوم. عندما يشعر الإنسان أن يومه اختطفته المسؤوليات، يسعى لا شعوريًا لاستعادة جزء منه عبر السهر، حتى لو كان ذلك على حساب صحته".
ويضيف أن هذه المماطلة ترتبط أحيانًا بتقدير الذات، إذ يشعر البعض بأنهم لم ينجزوا ما يكفي خلال النهار، فيحاولون تعويض ذلك عبر السهر في أنشطة ترفيهية أو استهلاكية، رغم علمهم بعواقبها السلبية.
المماطلة الانتقامية قبل النوم
دائرة مفرغة من السهر والإرهاق
ونوّه الغندور على أن خطورة هذه الظاهرة تكمن في أنها تؤدي إلى اضطراب النوم المزمن، ما ينعكس على الصحة النفسية والجسدية. ومع تراكم قلة النوم، يدخل الإنسان في حلقة مغلقة من التعب، الإنتاجية المنخفضة، والإحباط، ما يزيد رغبته في الانتقام من اليوم التالي وهكذا.
المماطلة الانتقامية قبل النوم
من المسئول.. النظام أم الفرد؟
و يرى البعض أن هذه الظاهرة انعكاس لفشل المنظومة الاجتماعية والاقتصادية في تحقيق توازن بين العمل والحياة الشخصية. إذ يعمل الكثيرون لساعات طويلة دون أن يملكوا وقتًا حقيقيًا للراحة أو الهوايات. بالمقابل، هناك من يعتبر أن الحل يبدأ من الفرد ذاته، بتنظيم الوقت ووضع حدود صحية.
المماطلة الانتقامية قبل النوم
كيف نكسر دائرة الانتقام؟
تقترح دراسات سلوكية بعض الخطوات للتعامل مع هذه الظاهرة:
1- تحديد روتين ثابت للنوم.
2- تخصيص وقت شخصي خلال النهار، ولو دقائق.
3- تقليل استخدام الشاشات قبل النوم.
4- الاعتراف بالمشكلة وعدم تبريرها باعتبارها "راحة".