كرة السلة المغربية في مفترق طرق.. صراع الشرعية بين الوزارة والاتحاد

20-5-2025 | 10:01
كرة السلة المغربية في مفترق طرق صراع الشرعية بين الوزارة والاتحاد مصطفى أوراش
الألمانية

تعيش كرة السلة المغربية منذ مطلع عام 2025 واحدة من أعقد أزماتها المؤسسية، بعد أن ‏دخل الاتحاد الملكي المغربي لكرة السلة في مواجهة مباشرة مع وزارة التربية الوطنية ‏والتعليم الأولي والرياضة، إثر قرار الأخيرة توقيف رئيس الاتحاد، مصطفى أوراش، ‏وتعيين لجنة مؤقتة لإدارة المرحلة.

موضوعات مقترحة

ولا يعكس هذا الصراع فقط أزمة رياضية، بل يظهر ‏خللًا بنيويًا في العلاقة بين السلطة التنفيذية والهيئات الرياضية المنتخبة، ويضع الجميع أمام ‏تساؤلات جوهرية عن حدود التدخل الوزاري في شؤون الاتحادات، وعن مدى احترام مبدأ ‏استقلالية المؤسسات الرياضية‎.‎

 خلفية القرار: رقابة أم تصفية حسابات؟

 استندت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في قرار توقيف أوراش إلى نتائج تدقيق مالي أنجزته هيئة التفتيش العامة ‏للوزارة، خلص إلى وجود خلل في التدبير المالي والإداري للاتحاد.

ورغم أن نتائج ‏التدقيق تنشر رسميًا، إلا أن الوزارة بادرت إلى تفعيل المادة 31 من قانون التربية ‏البدنية والرياضة، التي تخول لها حل الأجهزة المسيرة للجمعيات الرياضية في حال ‏ثبوت تجاوزات خطيرة‎.‎

لكن توقيت القرار، بعد سنوات من التجاذب بين الطرفين، وتزامنه مع استحقاقات ‏انتخابية مؤجلة داخل الاتحاد، جعل كثيرين يرونه يأتي من باب التصفية السياسية، ولاسيما ‏وأن أوراش ظل صامدا في منصبه رغم الحصار المؤسساتي والمادي الذي عاشه منذ عام ونصف العام بسبب رفض الوزارة صرف المنحة السنوية المعتمدة على غرار باقي الاتحادات.

بداية الأزمة كانت برسالة من الوزارة تطالب الاتحاد بتأجيل الجمعية العمومية الانتخابية بسبب عيوب شكلية وموضوعية، وبعد تسرب خبر قرب تعيين لجنة مؤقتة ألغت شركة التأمين عقدها مع الاتحاد بسبب التأخر في صرف أقساط التأمين.

واضطر الاتحاد إلى توقيف جميع المنافسات مؤقتا قبل أن تمنحه الوزارة ثلاثة أسابيع لإدارة الأزمة قبل أن تتدخل وهو ما فعلته الأسبوع الماضي بتعيين لجنة مؤقتة.

مصطفى أوراش: رجل ظل أم عقبة مؤسساتية؟

 يعد مصطفى أوراش من أبرز الأسماء التي فرضت بصمتها على المشهد الرياضي في السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب طول مدة رئاسته للاتحاد المشرف على رياضة المثقفين كما تسمى في المغرب، ولكن أيضًا بفضل قدرته على البقاء رغم ما واجهه من طعون وانتقادات.

لم يكن أوراش رئيسًا عاديًا للاتحاد، بل أشبه بنموذج لرئيس يجمع بين النفوذ الجهوي  والدعم المركزي من خلال شبكات علاقاته داخل المشهد ‏السياسي والرياضي.

ونجح أوراش في كسب معارك الانتخابات لتأكيد شرعيته عبر الجمعية العمومية التي عقدت في ديسمبر 2020 معتمدا على ولاء مجموعة كبيرة من الأندية. لكن في المقابل، واجه اتهامات حادة حول غياب الشفافية، واحتكار القرار، وتراجع الأداء العام لكرة السلة المغربية.

 اللجنة المؤقتة: إصلاح من الداخل أم إدارة انتقالية للأزمة؟

 أثار تعيين لجنة مؤقتة لتسيير الاتحاد الكثير من الجدل بداية من تركيبتها برئاسة ادريس الشرايبي النائب البرلماني المنتمي لحزب رئيس الحكومة.

ويرى البعض أن اللجنة فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وإنهاء حالة الانسداد التي طالت الاتحاد، في حين يعتبرها آخرون محاولة لفرض وصاية إدارية على مؤسسة رياضية من المفترض أن تُدار وفق منطق انتخابي واستقلالي.

وتبقى الإشكالية الأكبر في مدى قدرة هذه اللجنة على لم شمل أسرة كرة السلة.

وفي الوقت الذي عبرت فيه الكثير من الأندية عن رفضها لآلية التعيين، وطالبت باحترام المسار القانوني والديمقراطي للاتحاد، فإن المعارضين لاستمرار أوراش يطعنون في شرعية هذه الأندية باعتبارها وهمية ليست سوى قاعدة انتخابية يستمد منها الرئيس قوته وشرعيته للبقاء.

 صراع التأويلات: هل القانون في صف الوزير؟

 ورغم أن القانون يمنح الوزارة سلطة حل أجهزة الاتحاد في حالات استثنائية، إلا ‏أن عددا من المتابعين يطعنون في قانونية القرار، استنادًا إلى غياب النشر الرسمي لنتائج عملية التدقيق ولعدم منح رئيس الاتحاد فرصة قانونية لتقديم دفوعاته، ما يخرق مبدأ التدرج ‏في المسار التأديبي، كما أن القانون يرجح  إمكانية تحويل مثل هذه المخالفات إلى القضاء، وهو أمر مازال متاحا بعدما أحالت الوزارة ملف الاتحاد للمجلس الأعلى للحسابات.

 حسابات أكبر من الرياضة

ويصعب فصل ما يحدث في اتحاد كرة السلة عن السياق السياسي العام الذي تعرفه المملكة، ‏حيث تتجه الدولة نحو ترشيد الحقل الرياضي، وتقنين علاقته بمؤسسات الدولة ومصادر ‏التمويل. وفي هذا السياق، يبدو أن الوزارة تريد فرض نموذج جديد ، يجعل من ‏الالتزام بالتقارير المالية والشراكات الرسمية شرطًا أساسيًا للبقاء‎.

لكن إقالة رئيس منتخب، دون مسار شفاف، قد تحمل رسائل سلبية، خاصة في ظل الانقسام ‏داخل الهيكل الرياضي، وغياب الثقة بين الفاعلين‎ والرعاة.

 إصلاح أم هيمنة؟

 لا شك أن الاتحاد المغربي لكرة السلة بعاني من اختلالات تنظيمية ومالية، وأن ‏تطوير اللعبة يمر حتمًا عبر إصلاح بنياتها وتأهيل أنديتها. لكن يبقى السؤال الجوهري: هل ‏يتم الإصلاح عبر احترام استقلالية الهيئات الرياضية، أم من خلال فرض ‏الوصاية الوزارية؟

من المؤكد أن رئيس اللجنة ليس شخصا غريبا، حتى وإن كان انتماؤه لحزب رئيس الحكومة يثير تساؤل البعض، فادريس الشرايبي نائب برلماني يملك خبرة سياسية سواء في إدارة شؤون محافظة الحي الحسني بالدار البيضاء وعضوية مجموعة من اللجان البرلمانية أو من خلال تجربته في الإدارة بصفته رئيسا سابقا لنادي سبور بلازا ومستشارا لنورالدين بن عبد النبي رئيس اتحاد كرة السلة السابق.

وفي النهاية فإن معركة كرة السلة ليست مجرد صراع على المناصب، بل هي اختبار لمكانة الرياضة في ‏المشهد المؤسساتي المغربي، ومدى احترام القواعد الحاكمة والديمقراطية حتى في المجال ‏الرياضي‎.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: