حكايات من الواقع:‏ شاطئ الحيرة.. ورجل يعيش بعقل طفل

19-5-2025 | 15:31
حكايات من الواقع‏ شاطئ الحيرة ورجل يعيش بعقل طفلأرشيفية
خالد حسن النقيب

أقف على شاطئ حيرتى لا أعرف كيف يمكن لى أن أعبره إلى شاطئ أمان هو أقرب للخيال المدمر منه إلى واقع قد يكون مستقرا وسعيدا.

موضوعات مقترحة

أدرك أنه فى أحايين كثيرة تجبرك الحياة أن تقف فى منتصف الطريق حائرا بين أمرين أحلاهما مر وليس لك الخيار أن تنسحب فالقرار هنا يحتم عليك المضى فيه بلا رجعة وربما حيرتى أنا فى أنى أقف بين مفترق حياة كاملة واختيار قاس أقوى من أن تتحمله فتاة فى سنى، فأنا فتاة في مقتبل العمر كما يقولون،‏ اجتهدت طوال حياتي القصيرة في دراستي حتي تخرجت في الجامعة وحصلت علي بكالوريوس تجارة بتفوق طبعا،‏ لم أحلم بالوظيفة الميري فأنا علي قدر من الوعي وأعرف قدر نفسي جيداً‏، فلم يكن لي أحد يمكنه أن يتوسط لي في شيء غير أني فكرت خارج الصندوق كما يقولون.

وقررت أن أشق طريقي في الحياة منفردة, بروزت الشهادة وخرجت إلي الدنيا أعمل في السكرتارية تارة وفي المحلات التجارية بائعة ميضرش حتي استقر بي الأمر للعمل في محل ملابس تعلمت فيه أشياء جديدة مثل الخياطة والكوريشيه وأعمال الخرز والزركشة وكانت صاحبة المحل مثل أمي تحنو علي وتساعدني قدر ما تستطيع .. هده المرأة صاحبة الفضل علي وعلي أهلي، ولكنها هى من أوقعتنى فى آتون حيرتى وخيرتنى بين أمرين أحلاهما مر ولا حيلة لى فى شيء فقد عرضت عرضا ليس من السهل علي من هي في مثل ظروفي أن ترفضه ليس شيئا حراما والعياذ بالله فهي تريد أن تزوجني من ابنها الوحيد الذي يعاني نوعا من القصور العقلي..

قالت لي إنها سوف تتكفل بإعاشة أهلي ودراسة أشقائي وتنقلني من مستوي الفقر المدقع إلي الثراء ورغده, لن تبخل علي بشيء, وأن الثروة الكبيرة التي تمتلكها ستؤول لي كلها يوما ما لو أنجبت من ابنها طفلا هو الأمل بالنسبة لها ويكون وريثا لكل هذه الثروة.

أهلي فرحوا بهذا العرض ويضغطون علي ليل نهار كي أوافق.. وأنا لا أخفيك سرا لست من الفتيات الحالمات بالحب والرومانسية ولا في حياتي قصة حب وأحلام وردية كل ما في الأمر أني حلمت حلما بسيطا بالزواج من شاب في مثل سني نكافح في الحياة سويا وننجب أطفالا نجتهد في تربيتهم فلا يرون ما رأينا من قهر الفاقة وذل لقمة العيش ولكن يبدو أن الحياة استكثرت علي حتي هذا الحلم البسيط ووضعتني في اختيار صعب هو المستحيل بعينه إما أن أبيع نفسي وأنتقل أنا وأهلي من شرنقة الفقر هذه أو أن أستمر فيها أتلمس العيش بشق الأنفس.

بالله عليك أنا حائرة من أمري لا أعرف لنفسي طريقا أسلكه فقد اختلط علي الأمر ما بين الصواب والذي يعتبره الناس صوابا وبين الخطأ وما يعتبره الناس خطأ.

هل لو وافقت علي هذه الزيجة من الممكن أن أتلمس أسباب السعادة حتي مع رجل يعيش بعقل طفل.. هل يغني المال عن العقل والحياة الطبيعية؟

أمر آخر لا أدري عنه شيئا هل يمكن لإنسان في مثل ظروف هذا الرجل أن يتزوج.. هل لديه الإمكانات الفسيولوجية لذلك وهل إعاقته الفسيولوجية تحول دون قدرته علي الإنجاب.. وهل لو تمكنا فعلا من الإنجاب من أين أعلم أنه لن يرث عن أبيه إعاقته الذهنية؟

أخشي إن وافقت أفتح علي نفسي بابا جديدا من أبواب الشقاء والعذاب مع طفل أنجبه متخلف عقليا أتعذب به طول العمر....!!

الحيرة تكاد تفتك بي ولست قادرة علي اتخاذ قرار مصيري كهذا وإن كنت قد فكرت فيه فذلك لكي أتخلص من أغلال الفقر وبؤسه.

أكتب لك اليوم لعلي أسترشد طريقا أسلكه وأصل إلي شاطئ أستقر عليه فقد ضاق العقل منى وغشيت عيناى ظلمة من تيه ويأس لا خلاص منه.

س . ح

لعل لجة الحيرة التى أنتى عليها يا فتاتى فى ظاههرها محنة قد تكون فى جوهرا منحة تشرق فى ظلمة حيرتك نورا ونهارا جديدا وأنا أتلمس مع السطور الأولي لحكايتك تجربة فريدة في الكفاح وإرادة قوية لمواجهة الشقاء حتي وصلت إلي تحقيق أول حلم لك بحصولك علي شهادة جامعية وهذا ليس بالأمر السهل في ظل ظروف أسرتك المتواضعة والأمر الثاني هو أنك علي قدر من الوعي والتقدير الجيد لذاتك والمكان الذي تقفين عليه في هذه الحياة ومن هذا المنطلق استطعت أن تشقي طريقك في الدنيا بإرادة قوية واعية ونجحت بالفعل في مراحل كثيرة ولكن ما يحيرني حقا أن تكوني بهذا الوعي ولا تعرفين طريقا تسلكيه وتغرقين في حيرة مفتعلة داخلك أمام اختيار واضح ليس فيه أي غموض.

أستشعر بداخلك ميلا لقبول عرض سيدة الأعمال والزواج من ابنها فقد أخذت الثروة عينيك ببريقها وجمدت عقلك وتريدين أن تجدي من يتخذ القرار عنك فتحمليه تبعة هذا القرار إن لم تجدي السعادة التي تحلمين بها مالا وعزا أو لو ابتليت بطفل معوق ذهنيا مثل أبيه لا قدر الله.

أفيقي يا ابنتي من سكرة المال وزهوه الزائل وأعملي عقلك وثقي أنك ستصلين إلي الشاطئ الآخر من حيرتك بنفسك دون إيحاء أو ضغط من أحد.

لا أقول لك إن مثل هذا الرجل المعاق ليس له حق في الحياة أو الزواج أو أنه غير قادر علي ذلك ولا أقول لك ابتعدي عنه أو اقتربي منه فهذا أمر يرجع لقناعتك أنت بعيدا عن مؤثر المال والثروة فلو أنك اقترنت به عن قناعة بأنك تقومين برسالة إنسانية ثقي أنك ستجدين السعادة حتما حتي مع المعاناة مع شخص عاجز ذهنيا ولكن لو توقف أمر الزواج علي المال فالمعادلة هنا ليست صحيحة فلن يعوضك المال عن رفضك الدفين بداخلك وستجدين التعاسة تلازمك طوال عمرك ولعلنا نجد في المأثور النبوي عن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم النبراس المنير لظلمة الطريق من أمامنا في حكاية الرجل الذي جاء يشكو ابنته لرفضها الزواج من ابن أخيه لنقص في عقله فأعطاها الإسلام حقها في الموافقة علي من تتزوج دون إكراه وبعد ذلك قبلت الزواج منه فأتي بها الرسول صلى الله عليه وسلم يسألها سر قبولها فقالت إنها برفضها أرادت أن تعلم بنات المسلمين أن لهن حقا عليهن الحفاظ عليه.

في النهاية الأمر لك يا ابنتي في اتخاذ القرار الصائب ولكن شريطة أن يكون ذلك دون الوقوع تحت تأثير الضغط الأسري أو المالي فتخيرى لنفسك باختيار قائم على اليقين دون سببية وهمية قد تمر حياتك.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: