أشهر رحلات التاريخ.. تعرف على رحلة ابن فضلان إلى بلاد الروس والبلغار

19-5-2025 | 00:10
أشهر رحلات التاريخ تعرف على رحلة ابن فضلان إلى بلاد الروس والبلغاررحلة ابن فضلان ـ تعبيرية

كان أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد ابن حماد رحالّة إسلامياً، رحل إلى بلاد الترك والروس والصقالبة، وهو من الموالي، أوفده الخليفة العباسي مع جنودٍ ومترجمين إلى ملك الصقالبة، ليحموهم ويعلمونهم شعائر الإسلام، وكانوا حديثي عهدٍ بالإسلام، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الرحلة انطلقت من بغداد في الحادي عشر من صفر للعام 309هـ ، الموافق للواحد والعشرين من يونيو عام922م. 

موضوعات مقترحة

بداية الرحلة 

وابن فضلان عالم مسلم ورحالة من القرن العاشر الميلادي، يُشْتَهَرُ ويُعْرَفُ حصرًا من رحلته مع سفارة للدولة العباسية إلى ملك الصقالبة (بلغار الفولغا) في سنة 309 هـ/ 921م، وقد دوَّن أحمد بن فضلان تفاصيل رحلته في كتابه: «رسالة ابن فضلان: في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة»، وهي رحلةٌ نالت حصَّة ضخمة من البَحْث والدراسة على مر السنين لتميُّزها في وصف شعوبٍ عديدة في بلدان وسط آسيا وروسيا بحقبةٍ لم تتوفَّر فيها أي شهاداتٍ عيانٍ أخرى عن تلك الشعوب، وخصوصًا عن الفايكنغ وعاداتهم في دَفْن الموتى.

بعد رحلة شاقة ومليئة بالتحديات عبر أراضي القبائل التركية الوثنية، وصل أحمد بن فضلان إلى بلاد الصقالبة البلغار، حيث أبدع في وصف دقيق ومفصل لبلاد البلغار والروس، فقد أفاض في تصوير مراسم الاستقبال، وأسلوب حياة القوم، وجلوس الملك، وعادات الأكل التي تختلف كثيرًا عن تقاليد العرب.

وصف ابن فضلان مائدة الملك بأنها فريدة، إذ كان الملك يجلس ويأخذ سكينًا ليقطع قطعة من اللحم المشوي ويأكلها، ثم يمرر قطعة إلى الآخرين، فلا يجرؤ أحد على تناول الطعام حتى يناوله الملك، ولكل فرد مائدة صغيرة خاصة به لا يشاركه فيها أحد.

كما وصف ابن فضلان ظاهرة قصر الليل وطول النهار في تلك البلاد، حيث واجه صعوبة في أداء صلاة المغرب مع اقتراب صلاة الفجر بسبب قرب طلوع الشمس.

وذكر أن القوم يتناولون لحوم الدواب، ولا يملكون مكانًا لتخزين الطعام، فيحفرون آبارًا في الأرض لوضع الطعام فيها، لكنه سرعان ما يتعفن وينتن خلال أيام، وأشار إلى أنهم لا يستخدمون الزيت النباتي، بل يعتمدون على زيت السمك.

في وصفه لدفن الموتى عند المسلمين منهم، ذكر أنهم يغسلون الميت، ثم يحملونه على عجلة إلى قبره حيث يوضع في لحد، ويضعون سلاحه حول قبره، ويستمرون في البكاء عليه لمدة سنتين.

أما عن الروس، فقد وصفهم بأنهم شقر ذوو بشرة حمراء، يحمل الرجل منهم سيفًا وفأسًا وسكينًا لا تفارقه، بينما ترتدي المرأة على صدرها علبة معدنية من حديد أو فضة أو نحاس أو ذهب حسب ثروتها، تحتوي على سكين، وتزين عنقها بطوق أو أكثر حسب غناها.

وذكر أن الروس يعيشون في بيوت مشتركة تضم عشرة أو عشرين فردًا، لكل منهم سرير خاص، وأن حياتهم الزوجية مكشوفة بلا حياء، مع قذارة ملحوظة في الملابس والأبدان، فقد كانوا يغسلون وجوههم في طست واحد يتشاركونه، يبصقون ويخرجون ما في أنوفهم فيه، كما كانوا يعبدون تماثيل خشبية منحوتة على هيئة بشر، يتضرعون إليها ويقدمون لها القرابين.

وفي وصفٍ بارز، سجّل ابن فضلان مشاهداته عن تجار الروس على نهر الفولجا، حيث قدم وصفًا دقيقًا لحفلة دفن زعيم روسي، شملت تفاصيل طقوس الحرق،هذا الوصف المتميز ألهم الفنان الروسي هنري سميرادسكي لرسم لوحة فنية تزين اليوم متاحف ليننغراد وموسكو، رافعةً اسم ابن فضلان إلى مصاف الشهرة العالمية، كما أكد المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي على دقة ملاحظاته.

كذلك، وصف ابن فضلان انهماك الروس في شرب الخمر، قائلاً إنهم «يشربونها ليلاً ونهارًا، وربما مات أحدهم والقدح بيده».

وفي مشهد طريف، ربما كان يصف الشفق القطبي مصحوبًا بعواصف الشمال، حيث قال: «رأيت قبل مغيب الشمس بساعة أفق السماء قد احمرّ احمرارًا شديدًا، وسمعت أصواتًا عالية وهمهمة في الجو، فرفعت رأسي فإذا غيم أحمر كالنار يتحرك، وفيه أشكال كالناس والدواب، ففزعنا وتضرعنا، بينما كانوا يضحكون منا ويتعجبون».

كرجل دين وفقيه، سعى ابن فضلان لنشر الإسلام بين القوم، فذكر أن رجلاً يُدعى طالوت أسلم على يديه، فسماه محمدًا بناءً على طلبه، وأسلمت أسرته أيضًا، فسماهم جميعًا محمدًا. علمهم سورتي «الفاتحة» و«الإخلاص»، فكان فرحهم بهما يفوق فرحة تولي عرش الصقالبة.

وعن الخزر، أعداء البلغار، وصف ابن فضلان ملكهم المعروف بـ«خاقان الكبير»، وخليفته «خاقان به» الذي يقود الجيوش ويدير شؤون المملكة. كما تحدث عن عاصمتهم على نهر الفولجا، وهي مدينة عظيمة مقسمة إلى قسمين: أحدهما للمسلمين والآخر للملك وأتباعه. يرأس المسلمين غلام مسلم يُدعى خز، يتولى شؤونهم القضائية والإدارية دون تدخل من غيره.

جهود المستشرقين في نشر رسالة ابن فضلان

أسهم المستشرقون في إبراز أهمية رسالة ابن فضلان، التي تعد وثيقة تاريخية وثقافية فريدة. فقد وثّق ابن فضلان مشاهداته بدقة، مما جعل نصوصه مصدرًا غنيًا لفهم حياة الشعوب في تلك المناطق خلال القرن العاشر الميلادي، وساهمت ترجمات المستشرقين في تعريف العالم بإرثه الثقافي والتاريخي. 

د. سليمان عباس البياضي

عضو اتحاد المؤرخين العرب


د. سليمان عباس البياضيد. سليمان عباس البياضي
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة