هُناكَ قلوبٌ كالفحم، تبقى سوداءَ، وإن غُسِلتْ بماءِ البحرِ كُلِّه..
وفي مستشفى الطب النفسي، قد لا يأتي المرضى، وإنما يأتي ضحاياهم.
كثيرون لا يموتون من الرصاص يُصيب قلوبهم، لكنهم يموتون حين يرون مَنْ أطلق هذا الرصاص!
يقولُ اللهُ تعالي: (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا).. من دُعاء الصالحين ربهم، وفي ذلك بيان من الله، بأن الإيمان به، يملأ قلوب الكافرين والمنافقين غلاً وحقداً وحسداً.
وهو أمر يخالف الفطرة السوية، والسريرة النقية، فالمتوقع أن يسعد الناس بصلاح غيرهم، وإن لم يكونوا صالحين مثلهم، أما أن يُحزنهم ذلك، ويوغر صدورهم، ويُشعل النار في قلوبهم، فهذا أمر عجيب!
والقصة لا تقتصر فقط على الإيمان بالله، بل على كل خير وعطية من الله للإنسان، فلقد رأينا الكثيرين يتمنون زوال النعم عن غيرهم، وإن لم تصلهم!
رأيناهم أعداء كل نجاح، وإن تنعموا في ثماره، إن رأوا خيرًا سكتوا عنه، أو تندروا عليه، وربما قلبوه شرًا.
هم كثيرون، وقد يأكلون علي مائدتك، ويكيلون لك المديح في وجهك، فإن غابوا عنك، غاب عنهم الضمير، وضاعت في أفواههم كلمة الحق والصدق.
وقد تعجب أشد العجب، لما يكشفهم الله أمامك، وتقول في نفسك: لم يكونوا بهذا السوء؟! لماذا تبدل أمرهم؟! والحقيقة أنهم كانوا، ومنذ البداية بهذا السوء وأكثر، لكننا فقط لم نكتشفهم.
الطيبون منصفون، فرحون بالخير، في أيدي الناس، أما الحاقدون، أولئك الذين ضاقت صدورهم، حسدًا من عند أنفسهم، فهؤلاء يشاء الله دومًا أنْ يفضح سعيهم، ويهتك سترهم، ويرد كيدهم في نحورهم، ويرفع القناع عن وجههم القبيح، أمام سادتهم، وأمام الجميع، ليخسروا حُب الناس، ويخسروا معه احترام القوم.
كما تشاء إرادته سبحانه، أن يعلم بروايات حقدهم هذه، البابا فى روما، والحطابون فى الجبال، والفلاحون فى مزارعهم، والعجائز حول نار المدفأة، فى ليالي الشتاء الباردة!!
كم ضيعوا حقوقًا بظلمهم، وآذوا نفوسًا بمؤامراتهم..
هم المنافقون حقًت، وهم الأشد خطرًا.
أربع آيات من أول سورة البقرة، في وصفِ المؤمنين (4 فقط) وآيتان في وصف الكافرين (2 فقط) وثلاثَ عشرةَ آيةً في المنافقين (13)!
يعني وصف المنافقين، يتطلب أكثر من ضِعف مجهود وصف المؤمنين والكافرين، مجتمعين!!
والمنافق، الذي يُظهرُ مالا يُبطنُ، نرجسي في الأساس، والنرجسيون خطرون، يحذرنا منهم ربنا جلت قدرته: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.. سيخرجون من الدُنيا، خالين الوفاض، بلا عمل صالح، أو ذكرى طيبة.
والدِين والنرجسية، على طرفي نقيض، فالنرجسية إيذاء وتدليس، كذب وخداع، كُفرٌ بالحقيقة والنعمة، ومن النرجسية خيانة الصديق، وإنكار فضله، ومحاولة النيل منه، والحط من شأنه، وإعلاء مَنْ هو دونه عليه.
والمنافقون فارغون، عديمو الموهبة، والفارغون دوماً أكثر ضجيجًا، وقديمًا قالوا: إذا مر القطار، وسمعتَ جلبة لإحدى عرباته، فأعلم أنها فارغة.
ويبقي النرجسي المنافق، ضعيفًا هزيلًا، يحسب كل صيحة عليه، ودائمًا يتحسس البطحات الكثيرة على رأسه، هو كالحرباء يغير جلده باستمرار، جبان يخشى المواجهة، ويتنصل من قوله، ويُلقي باللائمة على غيره، ضعيف ترهبه كلمة الحق، ولا يتحرك إلا في الظلام كالخفافيش، ولا يعمل إلا بالمؤامرة تُدبر بليلٍ! ولا يكفيك أخي القارئ أن تكون في النور لترى، بل يجب أن يكون في النور ما تراه.
لقد حدثونا عن البعوضة هبطت على نخلة، فلما أرادت أن تطير، قالت للنخلة: تماسكي، أيتها النخلة، فأنا سوف أطير، فقالت النخلة للبعوضة:
طيري أو لا تطيري، فوالله ما شَعُرت بك يومَ وقعتِ، فكيف أشعرُ بكِ حين تطيرين؟!