يتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض الفضائيات، الربط "المسوم" بين الاستمرار في الزواج وامتلاك الزوجات الفلوس، التي تجعلها تتمكن من الحصول على الطلاق؛ وكأن كل ما يربط بين الزوجين هو المال وحده..
وكأنه لا توجد مكاسب نفسية وعاطفية واجتماعية من الزواج للزوجين، وكأن الزوجة تنظر لعلاقتها بزوجها "فقط" من منظار المال؛ فإن لم يتوافر لها مالها الخاص "اضطرت" إلى الاستمرار في الزواج، وإن توافر لها حطمت زواجها عند أول مشكلة.
كثرت بشكل بشع عند الرد على أي مشكلة مع زوجها القول: إذا كان لديك ما يكفيك أنت وأولادك من المال؛ فسارعي بالطلاق، وإن لم يكن لديك فتحملي زوجك وحاولي "ادخار" أي مال تستطيعين الحصول عليه منه؛ حتى يمكنك الانفصال عنه مستقبلًا.
ولنتخيل حياة زوجة كتبت مشكلتها في "جروب" نسائي؛ لتتخفف من شعورها بالضغط الذي يحدث أحيانا في كل العلاقات الإنسانية وليس في الزواج فقط، كما يحلو تصوير الزواج وكأنه العلاقة الوحيدة التي تمر ببعض المنغصات، وكأن علاقات العمل لا توجد بها مضايقات ومشاحنات، وكأن علاقات الصداقة لا تمر بمنحنيات مؤذية أحيانًا، وكذلك بعض علاقات القرابة.
أغلب الزوجات عندما يفضفضن بالشكوى من الأزواج يشعرن بغضب شديد؛ وكلنا عندما نغضب "نبالغ" ونصور الأمر وكأنه كارثة لا تحتمل، وعندما نهدأ نرى الأمور على حقيقتها..
ومنذ سنوات طوال كانت الأمهات والجدات عندما يستمعن لشكوى زوجة من زوجها، لا يقللن منها وأيضًا لا يقمن "بنفخ" النار في المشكلة؛ بل يقمن بتهدئتها وتذكيرها بأن زوجها لا يستغنى عنها، وأنه "لم" يقصد مضايقتها، فتهدأ وتشعر بالاعتزاز بالنفس وتكون "أكثر" قابلية في معالجة مشكلتها بحكمة "وبدون" تصعيد..
أما الآن فالغالبية العظمى خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي يقمن بتحريض الزوجات وتصوير أي مشكلة وكأن الزوج يتعمد "إهانة" زوجته والنيل منها وأن عليها الرد بالأقوى والأسوأ بالطبع حتى لا يستهين بها أو تطلب الطلاق لعقابه!!
نعرف بالتأكيد أن بعض الرجال سيئون؛ ولكن التعميم خطأ بشع تدفع ثمنه كثير من الزوجات وتشهد الزيادة "المخيفة" في نسب الطلاق على ذلك.
وتدفع النساء فواتير الطلاق الضخمة العاطفية والنفسية والاجتماعية والمادية بسبب منشورات "تتكاثر" بشراسة على وسائل التواصل الاجتماعي..
والأبشع من الطلاق الاستمرار في الزواج والزوجة "تتحسر" على نفسها لأنها لا تملك المال الذي يجعلها "تنعم" بالطلاق؛ وكأنه نزهة وليس رحلة بها الكثير من الأشواك؛ ولن تتحملها إلا من كانت لديها أسباب "حقيقية" للطلاق فتدفع فواتيره كاملة "برضا" وهي تشكر الرحمن لأنها أقل كلفة من الاستمرار في زواج انتهت "كل" الأسباب التي تجعله سكنًا ومودة ورحمة وتحول إلى "أذى" للزوجة وللأولاد.
وما عدا ذلك فلابد من فتح "ثغرات" في الحوائط بين الزوجين وتفتيت "التراكمات" التي يحتفظ بها الزوجان على مر سنوات الزواج من إحباطات وذيول لمشاجرات تبادلا فيها الكلام المسيء، أو انفرد به طرف منهما ولم يعتذر ولم يسع الطرف الآخر إلى دفعه لمحو الأثر السيء لها؛ حتى لا تكون مثل دخان لم يتخلص منه فسيصيبه بالاختناق ولو بعد حين.
المؤلم في تصوير قدرة الزوجة المالية على الطلاق بسبب المال، وكأنه "الخلاص" أنه يجعل بعض الزوجات "تتحفز" للزوج على أقل سبب أو مشكلة عابرة وتقوم بتضخيمها وتصعيدها وكلها ثقة في أنها "تستطيع" الطلاق لامتلاكها المال..
ولم تفكر فيما سيحدث بعد الطلاق؛ وهل ستعيش الجنة على الأرض؟ أم ستتخلى عنها صديقاتها اللاتي حرضنها على الطلاق؟ كما يحدث كثيرًا في الواقع، وتندم الزوجة بعد فوات الأوان، وقد تقبل أن تكون زوجة ثانية في السر هربًا من الوحدة أو يلومها أولادها على الطلاق أو تحاول العودة لزوجها السابق وقد يرفض..
وما كان أغناها عن ذلك لو "تريثت" وطرحت موضوع المال بعيدًا عند خلافاتها مع زوجها، وفكرت كيف تقوم بإنجاح زواجها مع التخلي عن التوقعات غير الواقعية من زوجها وتشجعيه "بذكاء" ولطف ليكون أفضل معها، وتجنب الكلمات المسيئة وبالطبع عدم قبولها منه فالاحترام المتبادل هو "أوكسجين" الزواج الناجح وليس امتلاك المال اللازم للطلاق أو لتهديد الزوج بأنها تستطيع الانفصال متى رغبت.
تفسد النظرة المادية الحياة الزوجية وتؤثر بالسلب على نظرة الأولاد والبنات للأم والأب؛ وتجعلهم يتعاملون معهما بمنطق المادة "فقط"، وليس بالعواطف "وسينحازون" لمن يمتلك المال الأكثر منهما، وقد يتملقونه ويثيرون الضغينة بينه وبين الطرف الأقل مالًا أيا كان جنسه..
لا ننكر أهمية المال في توفير حياة كريمة للجميع؛ ونقر بأن بعض الزوجات "يضطررن" إلى تحمل حياة زوجية تعيسة للاحتياج المادي ولعدم توافر مسكن لهن بعيدًا عن مسكن الزوجية فضلًا عن عدم استطاعتهن تحمل الإنفاق على الأبناء بعد الطلاق.
وفي هذه الحالة نود أن تقوم الزوجة بتهدئة نفسها وأن تقول "بيقين" لن أعيش بنفسية الضحية؛ فأمامي اختيارات أن أكابد في ظروف قاسية أو أعيش في بيتي مع أولادي، وسأقوم بتحسين علاقتي مع زوجي ما استطعت دون توقع تغييرات كاملة؛ فلن تحدث وسأفرح بأي انفراجات ولو كانت قليلة..
وأركز على تحسين حالتي النفسية وعلاقتي بأولادي وأحسن معاملة زوجي حتى لا أحرضه على التمادي فيما يؤلمني، وهذا ليس تنازلًا بأي حال من الأحوال؛ بل "ذكاء"، وكما قيل فإن تقليل الخسائر مكسب، وسأفعل ذلك ولن "أفضفض" على وسائل التواصل حتى لا يسكبون الوقود على "نيراني" عندما تشتعل داخلي، وسأقوم بإخمادها بنفسي "ولن" أضيع ثانية من عمري في الحزن على ما لا أستطيع تغييره، وأركز على الفرح بما لدي من نعم وتغيير ما يمكنني تغييره فقط.