مجتمعنا.. بين الأصالة والمعاصرة

18-5-2025 | 13:10

ليس كل أمر مستحدث جيد بالضرورة، بمجرد أن يلوح لنا من بعيد نهرع نحوه رغبة في اتباعه، نسير خلفه في صمت تام من دون قناعة، نتأهب للاستسلام لشروطه، لمعطياته الآتية من جوف فراغ حالك؛ ليست كل قصة أو حكاية تروى علينا قد نسجت بخيوط الصدق، إذن فما الذي يجبرنا على الدوران في فلكها، والاندماج معها متفاعلين بها واثقين من حقيقتها ومن صدق من صاغها، مما يدفع بنا للدوران داخل حلقات مفرغة، نغوص معها في دوامة لغو بغيض يسحبنا نحوه ببطء حتى نعتاد الأمر. 

تتواتر المعلومات كل يوم، تتعدد المواقف وتختلط الرؤى، في عالم ظل يباهينا بتقدمه، وهو لا يدرك أنه سوف يعيدنا لسنوات نشأته الأولى، كم من أحداث مؤسفة راحت تتصدر المواقع دون حياء من ذكرها، بعد أن تمت صياغتها بكلمات منفرة لا نعرفها ولا نألفها، تغزونا ليلًا ونهارًا تحت مسمى "تريند" فما أسوأها من فكرة، وما أسوأه من معنى! كلمة ظهرت بغتة فتلقفتها الأيادي وتشدقت بها الألسنة. 

حركتها عشوائية فكر وأثر لثقافة ضحلة جعلتنا نشعر بالاغتراب وسط مجتمعنا الذي امتلأ بالكثير من الحكايات المتناقضة، نود حينها أن نهرب من محيطنا ولو لبعض الوقت، يتجدد شعورنا كلما تباينت الأحداث وارتبكت المشاهد، كلما تغيرت المفاهيم واختلفت التفاسير، نسعى لحماية أنفسنا من شر مجتمع تنصل لأصالته؛ يوم أن فرط في تمسكه بأغلب قيمه ومبادئه.

مجتمعنا الذي عهدناه من قبل يقظًا تغير بصورة كبيرة، انزلق في قلب دوامة من فوضى عارمة، فأغلب الموضوعات التي يتم طرحها ومناقشتها موضوعات لا تملك من الأهمية ما يميزها أو يمنحها الحق في انتشارها بهذا الشكل الرهيب اللافت للنظر، أكثرها ممتزجة بهوس نابع من رغبة في اتباع لهوى أنفس ضالة مضلة، لا تجلب من أثر حديثها سوى القلق، تفجر معه الحيرة التي تفتح أبوابها على مصراعيها، تقوم بإطلاق رصاصات طيشها؛ مدعيةً أنها ترغب في تقدمنا وتعمل على ازدهار حياتنا وتغييرها للأفضل.

مجتمعنا بات يتقبل ما يعرض عليه، وإن بدا فارغًا أو تافهًا، لا يمانع في الاشتراك به، بالتحليل والمناقشة، إنها فتنة كبرى تلاحقنا تسعى للقضاء على حيائنا شيئًا فشيئًا، تهيل ترابها على فطرة سليمة ميزتنا، رفعت من شأننا وأسكنتنا القمم، وفجأة نجد أنفسنا تحولت لألعوبة بيد هؤلاء الذين يرغبون في تحركينا كما شاءوا، ربما أخطأ مجتمعنا ذاته حين خلط بين مفهومي الأصالة والمعاصرة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة