أحمد حسين قنديل يكتب: رحلة في أدب نجيب محفوظ (١)

15-5-2025 | 12:46
أحمد حسين قنديل يكتب رحلة في أدب نجيب محفوظ ١نجيب محفوظ
قصة: الفأر النرويجي
موضوعات مقترحة


 


في هذه القصة القصيرة، تنتشر شائعة مخيفة عبر وسائل الإعلام الرسمية: فئران نرويجية شرسة توشك أن تتسلل إلى البيوت وتهاجم البشر والقطط، الدولة والإعلام تبث التحذيرات، وتصدر تعليمات صارمة:


– اغلقوا النوافذ


– زيدوا عدد المصايد


– لا تغفلوا لحظة أثناء تنظيف المنازل


 


الناس يصابون بالذعر. لا أحد رأى فأرًا بعد، لكنهم يتصرفون وكأن الخطر يحدق من كل ركن. الحكومه تتابع مدى التزام المواطنين بالتعليمات. في أحد الأيام، يصل المسئول الحكومي المنتظر إلى بيت الراوي قبيل موعد الغذاء. يفتش، يطمئن، يعطي تعليمات، ثم يشم رائحة الطعام ويثني عليها، فيعزمه الرجل وزوجته، فيقبل الدعوة فورًا، ويأكل بشراهة لافتة. فجأة، يلاحظ الزوجان أن ملامحه تتغير.. تتخذ هيئة الفأر النرويجي. وبينما هما في حاله ذهول، ينهض، يخرج من الباب، ويقول بمرح: "عامر".


 




 


رمزية عميقة: من الفأر إلى الدولة


 


الفأر النرويجي في القصة ليس فأرًا حقيقيًا، بل كناية عن الخطر المصطنع، عن العدو الوهمي الذي تصنعه السلطة لتزرع الخوف، ثم تقتحم حياة الناس باسمه. لكن الصدمة أن الخطر لم يأتِ من الخارج، بل من الداخل، من المسئول نفسه.


 


تحوّل الزائر الرسمي إلى فأر نرويجي هو لحظة الذروة الرمزية. السلطة هي التي صنعت الفأر في خيال الناس لتبرر دخولها بيوتهم، ونهش ما تبقّى من قوتهم.


 




 


الرسالة الخفية


 


نجيب محفوظ يُفكّك في هذه القصة لعبة الخوف السياسي والاجتماعي:


يصنع عدو خارجي (الفأر)


يرعب الناس


يفرض إجراءات الأمن والحذر


ثم يدخل "المسئول" باسم الحماية


لكنه هو الخطر الحقيقي: هو الفأر


 




 


أسلوب القصة: كافكا بنكهة مصرية


 


استخدم محفوظ أسلوب التحول الجسدي الكاريكاتوري (Grotesque) ليُجسّد حقيقة مخفية. لم يتحول المسئول فعليًا… بل انكشفت صورته الحقيقية.


هذا التكنيك يذكّرنا برواية كافكا "التحول"؛ حيث يصبح البطل حشرة ليُجسّد الاغتراب والتحلل الداخلي. لكن في قصة محفوظ، الحشرة ليست الضحية، بل هي من يتسلل متخفيًا، ويأكل، ثم يخرج واثقًا.


 




 


 خاتمة: 


 


"ويبدو ان إغراقنا في الذهول أنسانا مرور الوقت فانتهينا مع صوته وهو يقول بمرح: عامر، اندفعنا نحوه لكنه كان سبقنا إلى الباب الخارجي ولم نلمح إلا ظهره المترجرج وودعنا بابتسامة نرويجية مع التفاتة خاطفة. ووقفنا نتبادل نظرات حائرة".


 


 


 


تنويه


 


قصة "الفأر النرويجي" هي إحدى قصص "التنظيم السري" الصادرة عام ١٩٨٤، وهي مجموعة ترصد ببراعة، في قالب رمزي موجز، تناقضات السلطة، وقلق الإنسان في عالم ينهشه الخوف والتضليل.


أحمد حسين قنديلأحمد حسين قنديل
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: