تمثل قضية الدعم اليوم مشكلة كبيرة تستدعي إعادة نظر شاملة لكافة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، لما لها من تداعيات كبيرة على استقرار المجتمع وإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
هذا المقال هو دعوة لفتح حوار ونقاش مجتمعي حول قضية الدعم، ودعوة لعقد مؤتمر قومي يجمع العلماء وممثلين عن فئات المجتمع المختلفة، من عمال وموظفين وفلاحين وأصحاب المعاشات.
ونبدأ الحوار بطرح عدة قضايا أساسية، منها:
أولًا: مفهوم الدعم
ببساطة، الدعم هو الفرق بين السعر المحلي لأي منتج والسعر العالمي؛ على سبيل المثال، الفرق بين سعر البنزين في مصر وفي الخارج، أو الفرق في السعر بين تكلفة إنتاج الكهرباء وثمن بيعها للمواطن، وإذا اتفقنا على هذا المفهوم، نجد نتيجتين لا يمكن الفصل بينهما: الأولى، أن الحكومة تدعم سعر البنزين ومعظم الخدمات مثل النقل وغيرها، ويُحسب للحكومة أنها خطت خطوات كبيرة وسريعة في السنوات الأخيرة لرفع الدعم في هذه المجالات.
ثانيًا، يظهر دعم المواطنين للحكومة في جوانب عديدة. ففي قطاع الزراعة على سبيل المثال، قد يرى البعض أن شراء الحكومة المحاصيل الزراعية من الفلاحين بالأسعار السائدة يمثل مساهمة من الفلاح في دعم الاقتصاد الوطني، في حين أن بعض التجارب الدولية تشير إلى تبني دول سياسات دعم إضافي للمنتج المحلي عبر الشراء بأسعار تفوق الأسعار العالمية؛ بهدف تعزيز الإنتاج وتشغيل العمالة الوطنية، إلا أن الآليات المتبعة في كل دولة تتأثر بظروفها الاقتصادية وأولوياتها الإستراتيجية.
ثم ننتقل إلى سؤال آخر مهم: ما هو الهدف من الدعم؟ الهدف الأساسي هو مساعدة الطبقات الوسطى والدنيا لمواجهة أعباء الحياة وتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية لكل مواطن، لتحقيق مجتمع قوي قادر على العمل والإنتاج؛ لأننا جميعًا نعرف خطورة الفقر على الجميع، ونتذكر هنا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". فسأله مرافق له من الصحابة: هل هناك علاقة بينهما؟ فكانت الإجابة إن الفقر قد يؤدي إلى الكفر، وإذا كان الفقر قد يؤدي إلى الكفر، فهذا يعني أنه قد يؤدي أيضًا إلى الجريمة والإدمان والمخدرات والإرهاب وغيرها مما يهدد استقرار المجتمع.
ومن هنا تتضح فلسفة وأهمية الدعم، وأيضًا يتضح أن الدعم يجب أن يقتصر على الفقراء أولًا، ثم الطبقة الوسطى للمحافظة على استقرار وتوازن المجتمع، وإنه تحديدًا علينا النظر في عدة خطوات مهمة:
يجب أن يقتصر الدعم على المصريين فقط من خلال بطاقة الرقم القومي، سواء في البنزين أو الكهرباء أو الماء وكل أشكال الدعم، مصر بها ما لا يقل عن عشرة ملايين أجنبي، ومعظم المقيمين من الأجانب هم من الأثرياء، لأن عادة محدود الدخل يصعب عليه أن يهاجر، ومن هنا، فالحكومة ملتزمة بالمصريين أولًا، ويجب أن يقصر الدعم على المصريين فقط من خلال الرقم القومي، مع النظر في رفع قيمة الإقامة السنوية في مصر للأجانب إلى نحو ثلاثة آلاف دولار شهريًا، كما يحدث في معظم البلدان المجاورة.
وإذا حدث هذا، وكان يقيم في مصر ما لا يقل عن عشرة ملايين أجنبي، فهذا يعني توفير ما يقرب من ثلاثين مليار دولار سنويًا على الأقل.
رفع الدعم عن الأغنياء: حتى من المصريين، يجب أن يقتصر الدعم على الطبقتين الدنيا والوسطى، مما يعني رفع الدعم كليًا عن طبقة الأغنياء في مصر، وهذا غير موجود حاليًا، وهناك العديد من الأمثلة مثل بنزين 95: سعره العالمي دولاران، فلماذا يُدعم ويُباع بأقل من خُمس السعر العالمي؟ حتى أن السفن الأجنبية تقوم بالشحن في الموانئ المصرية لانخفاض سعره. لذلك يجب رفعه فورًا إلى مائة جنيه على الأقل، ثم يُرفع سنويًا بعد ذلك.
التدرج في الدعم: حتى في الدول الرأسمالية، تعتمد أسعار الخدمات على تقسيمها لشرائح، بحيث يقتصر الدعم على الطبقتين الدنيا والوسطى، ثم يُرفع السعر تدريجيًا حتى يتجاوز التكلفة للطبقات العليا. فمثلًا: الطبقة الدنيا ذات الاستهلاك المحدود (كهرباء، ماء، إلخ) يجب أن تُدعم بنسبة 50-60% من التكلفة.
الطبقة الوسطى يجب أن تُدعم بنحو 25-30%.
الطبقة العليا يجب أن تُرفع أسعارها عن سعر التكلفة.
مثال الكهرباء: الآن يتوقف الدعم عند ألف كيلووات (وهو استهلاك الطبقة الوسطى تقريبًا في الصيف)، ثم من يستهلك ألفي أو ثلاثة آلاف كيلووات يجب أن يدفع سعرًا أعلى (مثل +20% لكل ألف كيلووات إضافية)؛ لأن هذا يساهم في التكافل الاجتماعي بين المواطنين.
كثير من الأنشطة التجارية يجب أن يُرفع الدعم عنها تدريجيًا، والدعم يجب أن يقتصر فقط على الطبقة الدنيا والمتوسطة.
هذه مجرد مقترحات أتمنى مناقشتها في مؤتمر يضم خبراء ومتخصصين في كافة المجالات مع ممثلين لكافة قطاعات المجتمع، لأن القضية مهمة وخطيرة. والله ولي التوفيق.
* أستاذ علم الاجتماع البيئي كلية البيئة جامعة عين شمس