العالم يبحث عن علماء

13-5-2025 | 16:41

في زمنٍ بات فيه العلمُ هو المحرك الأساسي لعجلة التقدّم، لم تعد الدول تتنافس في عدد الجنود أو حجم الأسلحة، بل أصبحت المعركة الحقيقية في ساحةٍ مختلفة تمامًا: ساحة العقول.
 
فالدولة التي تُحسن استقطاب العلماء، وتُهيئ لهم بيئةً خصبة للبحث والإبداع، هي تلك الفائزة ببطاقة العبور إلى المستقبل.
 
التنافس الدولي 
من هنا، برزت ظاهرة "تنافس الدول على جذب العلماء"، والتي غدت سمةً رئيسيةً في العصر الحديث، حيث أدركت الدول المتقدمة أن الثروات الحقيقية لا تُستخرج من باطن الأرض، بل تُصنع في عقول البشر. 

هذا التوجه لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة مسار طويل من التجارب، بيّنت أن العالِم الواحد قد يكون أكثر نفعًا لأمةٍ كاملة من ثروةٍ ضخمة أو موردٍ طبيعي.
 
خطوة أوروبية رائدة 
جاءت خطوة الاتحاد الأوروبي الأخيرة باستثمار نصف مليار يورو لجذب العلماء دليلٍ صارخ على هذا الإدراك العميق، فالقرار لم يكن ماليًا فقط، بل هو قرارٌ إستراتيجي يرسم ملامح مرحلة جديدة من البناء الحضاري على أسس المعرفة، وبموازاة ذلك دعا الاتحاد أيضًا دوله الأعضاء إلى تخصيص 3% من الناتج المحلي الإجمالي للبحث العلمي بحلول عام 2030، في رسالة واضحة مفادها أن العلم لم يعد ترفًا، بل هو ركيزةُ بقاءٍ ونهضة.

هذه الأموال تُستخدم لتمويل مشاريع بحثية ومساعدة الجامعات على تغطية تكلفة استقدام العلماء الأجانب للمساعدة في إدارتها.
 
استقطاب العلماء 
ما يثير الانتباه أن هذا التنافس لا يدور فقط بين دول الشمال، بل باتت دول أخرى كالصين واليابان وكوريا وكندا تسير في النهج ذاته، وتسعى لاقتناص الفرص واستقطاب العلماء، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجه المؤسسات الأكاديمية في بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة. 

الاتحاد الأوروبي يسعى من وراء هذه الخطوة إلى الاستفادة من تخفيضات التمويل الفيدرالي التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصداماته مع كبريات الجامعات الأمريكية.

الحرب التي يشنها ترامب على الجامعات الأمريكية قد تؤدي إلى هجرة عكسية لأوروبا وكندا وآسيا، فالكثير من العلماء حول العالم يبحثون عن بيئة حاضنة لأفكارهم وبحوثهم، ومع تصاعد التضييق والخناق على المؤسسات الأكاديمية تصبح أوروبا خيارًا مغريًا. 
  
 وفي مقابل ذلك، يقف العالم العربي -في كثير من الأحيان- موقف المتفرج، في حين تستمر هجرة العقول من الجامعات العربية إلى المختبرات الأجنبية، دون أفق واضح لحل هذه الأزمة.
 
توفير الدعم السخي 
إن العالم لا ينتظر المتأخرين، ومن لا يصنع له موضعًا على طاولة المستقبل، سيُجبر على الجلوس في الهامش؛ ولهذا فإن المسئولية اليوم كبيرة على الحكومات، والمؤسسات، والمجتمع بأسره، لتوفير مناخ يليق بالعلماء، من دعمٍ مادي، وتقديرٍ معنوي، وفرصٍ حقيقة للإبداع والبحث.

فالعقل إن لم يجد أرضًا يزرع فيها فكرَه، هاجر... وإن هاجر، أنبت حضارة في أرضٍ جديدة.

كلمات البحث
الأكثر قراءة