الصيام الرقمي!

12-5-2025 | 20:02

كما أن للصيام فوائد صحية لا حصر لها على الجسم تضبط إيقاع الحياة على مدى شهر كامل، بعد رحلة عمل لا تتوقف لأحد عشر شهرًا؛ فضلًا عن أنه بالأساس ركن من أركان الإسلام، فإن مكاسبه الروحية أجل وأعظم.. فإن الإنسان المعاصر أصبح بحاجة ماسة إلى "صيام رقمي" لبعض الوقت كي يستعيد فيه حياته الاجتماعية بشكل طبيعي.. 

ففي العصر الرقمي الحديث، أصبح استخدام الأجهزة الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية، ما أدى إلى إرهاق ذهني واجتماعي غير مسبوق، وبالتالي فإن الحاجة ماسة لصيام "رقمي"، بالامتناع المؤقت أو الجزئي عن استخدام الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية، الحواسيب، وشبكات التواصل الاجتماعي لفترة زمنية محددة، بشكل يومي أو أسبوعي أو حتى شهري، بهدف تقليل الاعتماد الرقمي وممارسة الحياة اليومية الطبيعية وتحسين جودتها.. 

ظهر مفهوم "الصيام الرقمي" كاستجابة لحاجة الإنسان لاستعادة التوازن النفسي والعقلي والاجتماعي. وتشير عدة دراسات علمية، أبرزها دراسة نشرتها مجلة Cyberpsychology, Behavior, and Social Networking عام 2021، إلى أن الصيام الرقمي له فوائد متعددة على الصحة النفسية. من أبرز هذه الفوائد تقليل مستويات التوتر والقلق، وتحسين جودة النوم، وزيادة القدرة على التركيز. فالتعرض المستمر للإشعارات والمحتوى المتجدد يسبب تحفيزًا دائمًا للدماغ، مما يؤدي إلى الإرهاق العقلي. وعندما يمنح الدماغ فترات راحة، يستعيد قدرته على التنظيم والتركيز.

أما من الناحية الاجتماعية، فإن الصيام الرقمي يعزز جودة العلاقات الإنسانية. ففي دراسة أجرتها جامعة بنسلفانيا ثبت أن تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى 30 دقيقة يوميًا يمكن أن يؤدي إلى تحسن في الشعور بالرضا الاجتماعي والارتباط بالآخرين. فالتواجد المفرط على الإنترنت يعزل الفرد عن محيطه المباشر، ويؤدي أحيانًا إلى الشعور بالوحدة، فرغم الانخراط الظاهري في الحياة الاجتماعية الرقمية، والتي قد تتراوح فيها قائمة الأصدقاء والمتابعين "الافتراضيين" بين العشرات إلى الملايين لدى كثير من المشاهير، لكن إن بحثت فيهم عن صديق "طبيعي" فربما تخرج غالبًا بـ "صفر" كبير! 

يُعد اللجوء إلى الصيام الرقمي نتيجة طبيعية للضغوط المتزايدة الناتجة عن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، ومن الأسباب الشائعة التي تدفع الأفراد إلى تطبيق هذا النوع من الصيام: الإحساس بفقدان السيطرة على الوقت، اضطرابات النوم، الإدمان على متابعة التحديثات والإشعارات، وتدهور العلاقات الاجتماعية الواقعية. كما يلجأ البعض إلى الصيام الرقمي كجزء من برامج التأمل أو التطوير الذاتي. ولعل من الآثار النفسية الإيجابية للصيام الرقمي أيضًا زيادة الوعي باللحظة الحاضرة، وتحقيق نوع من التوازن الداخلي. فالابتعاد المؤقت عن الشاشات يمنح الإنسان فرصة للتأمل، وممارسة الأنشطة الواقعية كالقراءة، الرياضة، والتفاعل المباشر مع الأصدقاء والعائلة. كما يساهم في إعادة ضبط أولويات الفرد وتقوية إحساسه بالتحكم في وقته وحياته. 

وقد أدرك كثير من الناس خطورة "الانغماس" الرقمي، لذا قد يفرضون "صيامًا رقميًا" على عائلاتهم، حين يلتئم شملهم إما على مائدة الطعام أو في أثناء الزيارات العائلية، خاصة لكبار السن من العائلة، حتى لا يصرفهم "الإدمان الرقمي" عن متعة الشعور بالدفء العائلي الطبيعي. 

كما أن هناك أماكن استجمام واستشفاء كثيرة بدأت تتزايد في العالم تشترط على قاطنيها التخلي تمامًا عن صخب الحياة الرقمية، حتى تعود بهم الحياة إلى سيرتها الأولى، للاستمتاع بالحياة والطبيعة كما كانت من قبل.. 

خلاصة القول، إن الصيام الرقمي لم يعد مجرد توجه عصري مؤقت، بل أصبح ضرورة حياتية لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي في ظل تسارع وتيرة الحياة الرقمية، وانتزاع بعض الوقت يوميًا، طال أم قصر من وسائل التواصل، سيكون له مردود إيجابي على حياتك الاجتماعية "الطبيعية"، وتزداد أهمية هذا الأمر لدى الشباب الذين فاتهم زمن الدفء الاجتماعي، وتأكد أن العالم لن يتأثر بغيابك كما أنه لن يفوتك شيء من أخباره..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: