زخم مصري إيراني

14-5-2025 | 14:16

ثمة "أجواء إيجابية" ما بين القاهرة وطهران توحي بأن "انفراجة قريبة" في الطريق. غالبية المحللين ومراكز الأبحاث الغربية تتحدث عن التنسيق الهادئ المتواصل بين الدولتين المؤثرتين في الشرق الأوسط. ويشير هؤلاء إلى أن ما بات العالم يشاهده على السطح، يبرهن على أن العاصمتين الكبيرتين قد سبق لهما أن وجدا طريقة لإدارة ملف علاقاتهما بعيدًا عن الصخب الإعلامي، وتدخلات ودسائس قوى معادية، لا ترغب في تقارب مصر وإيران. 

ولعل ما يبرر هذا التفاؤل هو أن وتيرة العلاقات بين إيران ومصر تسارعت بقوة، والإعلان عن أن الاتفاقيات في مجال السياحة سيتم تنفيذها قريبًا، ووفقًا لرئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر السفير محمد حسين سلطاني فرد، فإن البلدين يجريان حاليًا مشاورات مكثفة حول التطورات الإقليمية، ويمكن القول إنه "تمت تسوية أكثر من ثمانين بالمائة من القضايا المطروحة".

وبالتالي ليس غريبًا أن تتواصل زيارات الوزراء الإيرانيين، فقد جاء إلى القاهرة وزير السياحة والثقافة الإيراني رضا صالحي أميري، والذي أعلن خلال جلسة مع الإعلام المصري، أن هناك مرحلة جديدة في تطوير العلاقات الثنائية مع مصر، ومن أبرزها المجال السياحي، وهي نتيجة للقاءات التي جمعت بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان، الذي زار القاهرة في وقت سابق لحضور اجتماعات قمة مجموعة الثماني الإسلامية. 

وأكد الوزير أن الحكومة الإيرانية حريصة على تطوير العلاقات بين القاهرة وطهران في مختلف المجالات وعلى رأسها القطاع السياحي، ولقد دار حوار صريح بيني وبين الوزير صالحي، وهو رجل هادئ ومنفتح، ويحمل أفكارًا طموحة، فهو يطمح في الوصول بعدد السياح الأجانب لبلاده إلى 15 مليونًا من 7.5 مليون حاليًا، وعدد سياح إيران لمصر إلى مليون سنويًا. 

ولا تتوقف طموحات الرجل عند ذلك، بل يريد أن يقدم المستثمرين المصريين والعرب لإيران. ولقد أبديت للرجل بعضًا من الملاحظات العملية للمساعدة في تجهيز الأرضية والأدوات اللوجستية لتحقيق هذه الطموحات، ولعل أبرزها مسألة الطيران، والفنادق والشقق السكنية، وأخيرًا، وليس آخرًا، ما الذي ينتظر السياح المصريين والعرب عند زيارة إيران، ترى ما هي المقاصد السياحية؟ وهل هناك لافتات باللغة الإنجليزية والعربية؟ هل هناك كتيبات وأفلام تسجيلية؟ 

ولقد استمع الرجل بتمعن شاكرًا المصارحة، وشرح خطة الحكومة للوصول بالطاقة الفندقية لمليون سرير، وبناء المزيد من الفنادق، والتطلع للتعاون مع مصر والاستفادة من خبرات المؤسسات المصرية. 

ومما لا شك فيه أن الرغبة موجودة والشغف كبير من قبل الشعبين المصري والإيراني بحضارة كل منهما، ولكن لا بد من تجهيز الطريق بعناية حتى يتحقق اللقاء، وتنطلق عجلة التعاون بقوة. 

ولقد شارك الوزير في حوار هادئ في جلسة حضرها عدد محدود من الصحفيين المصريين والإيرانيين، وكذلك عدد من أساتذة العلوم السياسية والعاملين في قطاع السياحة بمقر إقامة رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية لدى القاهرة، السفير محمد حسين سلطاني فرد. 

وفي الوقت نفسه قال السفير سلطاني في تصريح لوكالة إيسنا إنه على هامش اجتماع وزراء السياحة لدول مجموعة دي-8، أجرى وزير التراث الثقافي والسياحة السيد رضا صالحي أميري محادثات مع وزراء السياحة في مصر وتركيا وباكستان ونيجيريا بشأن تطوير العلاقات السياحية، ووجه لهم دعوة للمشاركة في اجتماع وزراء السياحة في طهران. 

وأوضح سلطاني فرد، أنه خلال زيارة وزير التراث الثقافي والسياحي الأخيرة لمصر تم إجراء مفاوضات مكثفة مع المسئولين المصريين المعنيين بشأن بدء الرحلات السياحية بين البلدين عبر الرحلات الجوية المباشرة، مؤكدًا أنه سيشهد الشعب الإيراني قريبًا تنفيذ هذه الاتفاقيات. 

ومن ناحية أخرى قال السفير سلطاني فرد إن العلاقات الإيرانية المصرية اكتسبت زخمًا خلال السنوات الثلاث الماضية، وأوضح أن زيارة الرئيس مسعود بزشكيان إلى مصر خلال العام الماضي، ولقاءه المهم مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يعتبران منعطفًا مهمًا في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. 

وأشار الدبلوماسي المخضرم إلى أن البلدين يجريان حاليًا مشاورات مكثفة بشأن التطورات الإقليمية عبر المكالمات الهاتفية وتبادل الرسائل، ويمكن القول إن أكثر من ثمانين بالمائة من القضايا التي تهم البلدين تم حلها، وهناك إرادة جادة على مستوى المسئولين في البلدين لتحسين العلاقات الثنائية. 

واختتم سلطاني فرد قائلًا: لا ينبغي لنا أيضًا أن نتجاهل حقيقة أن التطورات الإقليمية خلفت تأثيرًا إيجابيًا على التقارب في مواقف البلدين. ومما لا شك فيه أن القيادة الإيرانية تدرك حجم وقوة مصر، والشعب الإيراني يتوق لزيارة مصر الدولة ذات التاريخ العريق. والسفير سلطاني لا يكف عن الحركة، ويتطلع ليس فقط لعلاقات طبيعية بل "شراكة شاملة" بين القاهرة وطهران؛ وأن يكون لمصر نصيب من كعكة الازدهار الاقتصادي الإيراني، وأن تساهم بلاده في قفزة مصر التنموية الحالية. 

دومًا حديثه معي ومع الصحفيين المصريين وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال ورجال السياحة عن المستقبل، وعن محورية الدور المصري، وثقل مصر الكبير في المنطقة، والمعادلات الدولية. 

والرجل لا يمل من التأكيد على أن مصر لها دور محوري، ونجحت في وقف تهجير سكان غزة، كما أن طهران تدعم القاهرة في خطة إعادة الإعمار، مؤكدًا في حوار للزميل خالد الشامي ونشرته «المصري اليوم» مؤخرًا، أن المقاومة في اليمن أثبتت أن هجماتها كانت لديها فعالية في الدفاع عن قطاع غزة، ولفت إلى أن طهران ليست داعية للحرب أو لتصعيد التوترات في المنطقة، ولا ترحب بالمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها تعرف كيف تدافع عن نفسها، مشيرًا إلى أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية يمثل قمة اليأس الذي وصل إليه. 

ويبقى أن المشهد المتقلب في الساحة الدولية والأزمات الكثيرة في منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى حلول، وهذه الحلول عاجلة. كما باتت هناك قناعة راسخة، وتكتسب "توافقًا كبيرًا في الآراء" عن حاجة دول الشرق الأوسط ودول الخليج وشمال إفريقيا إلى سلام دائم. إلا أن المشكلات والصراعات في الشرق الأوسط، تتطلب حلولًا دبلوماسية في المقام الأول. 

ومن الواضح اليوم أن "الحل المسلح" لمشكلة حماس أو الإمكانات النووية الإيرانية أمر مستحيل. وفي الوقت ذاته هناك حاجة إلى تشكيلات دبلوماسية معقدة لحل المشكلات الملحة في المنطقة. ولكن ليس من الواضح تمامًا ما إذا كانت تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية وإيران تمتلك ما يكفي من الإرادة والقناعة والثقة والقوة لتحقيق أهدافها من دون دور فعال، أو تدخل من الولايات المتحدة. 

وتسعى مصر والسعودية ودول الخليج إلى بناء علاقات إستراتيجية مع الصين والهند وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتجنب الالتزامات السياسية واتخاذ موقف يدعم بوضوح أحد الأطراف في حالات الصراع. ويبدو هذا هو الواقع الجيوسياسي الجديد في عالم متعدد الأقطاب. 

في السابق كان السؤال "مع أو ضد؟" كان له دور مركزي في تشكيل الشراكات مع القوى العظمى. لم يعد هناك شيء من هذا القبيل الآن. ومن المرجح أن تلبي دول الشرق الأوسط عاجلًا أم آجلًا مطلب السلام الدائم في المنطقة. 

وفي الوقت نفسه، أصبح من الواضح اليوم أن بعضًا من دول المنطقة تفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية في إجراء مفاوضات ناجحة لحل مشكلاتها بأنفسها من دون وساطة الدول الغربية أو الشرقية، وترغب في وجود وسطاء للحصول على ضمانات، ولكن الدول العربية الكبرى لديها مدرسة دبلوماسية عريقة، وتفضل حل المشكلات بنفسها إذا تيسر ذلك. ومع ذلك ينبغي ملاحظة الدور المتزايد والناجح للغاية لمصر والسعودية كوسطاء دوليين في الصراعات الإقليمية والعالمية. 

ومن ناحية أخرى فإن تدهور قدرات البلدان الغربية الدبلوماسية وعدم كفاية دور الوساطة الذي تلعبه الهند والصين، يبدو أن بلدان الشرق الأوسط سوف تضطر إلى إتقان فن الدبلوماسية المعقد إلى أقصى حد. 

فالمطلوب هو التحول في المهارات المهنية من تنظيم الوساطة إلى حل المشكلات الإقليمية دبلوماسيًا بنجاح. وأغلب الظن أن تجربة القاهرة وطهران في حل خلافاتهما، واستعادة العلاقات الطبيعية من خلال حوارهما الهادئ والرصين سوف يقدم نموذجًا متميزًا في التسوية، وبناء شراكات طموحة للتعاون، وساعتها ربما يتحقق "أسوأ كوابيس إسرائيل". 

وذلك بالرغم من أن القاهرة مستقلة في حساباتها، وما تمليه عليها سياسة "مصالح مصر أولًا"، وعلى قاعدة "رابح رابح".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة