مصر.. وعيد النصر في روسيا

12-5-2025 | 15:25

لم تكن زيارة الرئيس السيسي إلى موسكو ومشاركته في احتفالات عيد النصر الذي يمثل الذكرى الثمانين للنصر على النازية، مجرد حدث بروتوكولي تقليدي، وإنما مثلت هذه الزيارة وهذه المشاركة رسالة كبرى وعنوانًا بارزًا في توقيت بالغ الأهمية، ويتضمن رسائل عديدة مهمة وملهمة وموحية وعلى عدة محاور، ربما في مقدمتها تلك العلاقة القديمة والمتينة، التي تتوطد يومًا بعد آخر بين الدولتين الكُبريين مصر وروسيا، والتي تمتد في شكلها الدبلوماسي إلى العام  1943 مع الاتحاد السوفيتي وافتتاح مصر أول سفارة لها بموسكو، بينما افتتحت روسيا سفارتها بالقاهرة وقنصلية عامة في الإسكندرية، مرورًا بعام 1948 الذي شهد توقيع أول اتفاقية اقتصادية بين البلدين في أول تعاون اقتصادي بينهما، ومرورًا كذلك بمحطة مهمة في تاريخ مصر، خلال خمسينيات القرن الماضي، واستعانة مصر بآلاف الخبراء الروس في إنشاء واحد من أضخم وأهم السدود في العالم، "السد العالي" وإقامة مصنع الحديد والصلب فى حلوان ومجمع ألومنيوم نجع حمادى، ومد خطوط الكهرباء بين أسوان والإسكندرية، وتعريجًا على إمداد القوات المسلحة المصرية بالسلاح السوفيتي، وكذا إقامة أول منطقة صناعية روسية فى محور قناة السويس، والعديد من المشاريع الصناعية الكبرى، وليس انتهاء بمشروع الضبعة النووية.

وفي الوقت الراهن، توطدت هذه العلاقات بين مصر وروسيا، وصار هناك توافق كبير في الرؤى في القضايا المتباينة، خصوصًا في ظل الصراعات التي يموج بها العالم ومنطقة الشرق الأوسط. 

وشهدت الفترة الماضية تبادلًا للزيارات بين الزعيمين عبدالفتاح السيسي وفلاديمير بوتين ما بين القاهرة وموسكو، فضلا عن اللقاءات التي تمت على هوامش المؤتمرات الخارجية، الأمر الذي عزز من هذه العلاقة الإستراتيجية والتاريخية بين البلدين الكبيرين، وعكس الحرص الدائم على الدعم السياسي المتبادل إقليميًا ودوليًا، تقديرًا للظروف المحيطة والتحديات، وظلت الأفكار البناءة في إطار التفعيل لتحقيق المصالح المشتركة في دعم أوجه الحياة أمنيًا واقتصاديًا، ودفع قاطرة النمو الاقتصادي، وخلق الفرص الاقتصادية التكاملية، في تطور لافت لتوطيد العلاقات، تعكسه أرقام وحجم التبادل التجاري بين البلدين الذي بلغ أكثر من 5 مليارات دولار عام 2023، وأكثر من 6 مليارات عام 2024.

من أجل ذلك كله نجد كارين فاسيليان قنصل عام روسيا الاتحادية بالإسكندرية، يتحدث بفخر وسعادة وثقة عن مشاركة الرئيس السيسي في احتفالات روسيا بذكرى عيد النصر، وفي حضور سفير جمهورية بيلا روسيا في مصر سيرجي تيرنتييف، ومدير مشروع بناء محطة الضبعة للطاقة النووية أليكسي كونونينكو، وهم يشهدون احتفالًا موازيًا بهذه الذكرى تحتضنه مصر، ويذكر الحضور بهذا البعد التاريخي حين دارت في مصر بعض المعارك خلال الحرب العالمية الثانية عام 1942، وتصدي قوات التحالف للنازيين في العلمين، ومقاومة مصر والاتحاد السوفيتي للغزو النازي، لتمتد العلاقات الراسخة، عبر الشراكات المختلفة والتعاون والدعم، ويبرز منها مشروع بناء أول محطة مصرية للطاقة النووية بالضبعة كأحد أبرز مجالات الصداقة الوطيدة بين الشعبين.

وتأتي هذه المشاركة المصرية في احتفالات الذكرى الثمانين ليوم النصر بموسكو، ودعوة الرئيس السيسي مع زعماء الصين والبرازيل وفنزويلا والبوسنة وأذربيجان وسلوفيكيا وصربيا وطاجيكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، تعزيزًا لهذه المكانة التي استحقتها مصر كدولة محورية، تحظى بتقدير واحترام القوى الكبرى، ولاعب إقليمي مهم يتميز بسياسة متوازنة في بناء علاقاته الخارجية، وقد استطاعت مصر عبر هذه الرؤية أن  تفتح آفاقًا جديدة للتعاون في المجالات المختلفة كالطاقة والاقتصاد، والتكنولوجيا، وزيادة حجم الاستثمارات، خصوصًا أن مصر هي البوابة الرئيسية للقارة الإفريقية والشريك الأساسي لروسيا في إفريقيا. 

ونظرًا إلى ما يُمليه الوقت الراهن من تحديات جسام، أبرزها ما يحيط بمنطقة الشرق من أزمات قائمة ومتتابعة، فقد حملت مصر على عاتقها كدولة رائدة ورمانة الميزان السياسي إقليميًا ودوليًا، مكابدات السعي لإرساء السلام، وإخراج الشرق من النفق الذي يهدد استقراره، والعمل المتواصل على مواجهة الأزمات الدولية، والدفع بالأفكار الخلاقة والطرق لحلحلتها سلميًا، فلم يكن من فراغ هذا التقدير الدولي الذي يُكنه العالم كله لمصر وللقيادة الحكيمة فيها، حتى شهد لقاء الرئيسين في موسكو إشادة بوتين بسياسة مصر المتوازنة التي تنتهجها مصر، واعتزازه بما تشهده العلاقات معها من تطور قائم على أساس اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة، وأن ذلك يأتي تزامنًا مع انعقاد اللجنة الاقتصادية المشتركة بين روسيا ومصر في موسكو خلال الأسابيع المقبلة. 

وتبقى في مقدمة القضايا الملحة القضية الفلسطينية، والجهود المتلاحقة لمصر للدفع بهذه القضية على جميع طاولات المناقشة وفي المؤتمرات المختلفة، متمسكة برؤيتها الراسخة في إحقاق الحق وإرساء قيم العدالة، وألا سبيل للسلام إلا من خلال حل الدولتين، وتظل ضرورة ملحة للتوصل إلى حل نهائي وشامل للصراع ووقف الحرب الهمجية، والسعي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم في المنطقة، وكان مهما أن يكون قادة الدول المشاركة في "عيد النصر" بالعاصمة الروسية، ضد استمرار الحرب الغاشمة على غزة ويؤيدون حل الدولتين كوسيلة ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. 

وكذلك اشتملت المباحثات على النظر في تطورات الأوضاع في السودان وسوريا وليبيا، وكذلك الأزمة الروسية الأوكرانية، ليعرب الرئيس الروسي عن تقديره لهذا الدور اللافت الذي تقوم به مصر، ويؤكد دعم روسيا بشكل كامل لمساعيها نحو استعادة الأمن وتحقيق الاستقرار، وكان مهما وملفتًا دعمه خطة مصر في إعادة إعمار قطاع غزة، التي تم إقرارها خلال القمة العربية الاستثنائية بالقاهرة في مارس الماضي.

ومن 9 مايو إلى نهايته، حيث اجتماع اللجنة الاقتصادية المصرية الروسية، في موسكو، وتأكيد جديد على عمق ومتانة العلاقات المصرية الروسية، ودفع لعجلة التعاون النشطة والمنتجة، وإبقاء  ملفات الاقتصاد والتجارة والاستثمار مفتوحة لحصد ثمار التعاون التاريخي الممتد والقائم، والتي تثبت مع هذه الزيارة ومشاركة الرئيس في ذكر يوم من أهم أيام روسيا في تاريخها حجم مصر وقدرتها وأهميتها سواء في محيطها الإقليمي أو تأثيرها الدولي.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: