لا أرى في الأفق حلًا يوقف الإبادة في غزة، ولا موقفًا دوليًا يردع آلة القتل الإسرائيلية التي تمعن في ذبح وحرق شعب أعزل، ولا إرادة عربية قوية تجبر العالم الذي فقد إنسانيته أن يتصدى لهذه المقتلة المروعة.
إسرائيل تعلن صراحة دون خجل وبلا خشية وعدم اعتبار لأحد عن عزمها احتلال غزة والبقاء فيها حتى يفنى من عليها قتلًا وجوعًا وعطشًا ومرضًا، ثم تهجيرًا، بل ستفعل ما هو أكبر وأوسع من حدود غزة، فقد أعطاها الرئيس الأمريكي الضوء الأخضر ومدها بالسلاح الفتاك، وسخر لها كل وسائل الدعم الفني واللوجستي والاستخباراتي لإنجاز المهمة، والإجهاز على القضية الفلسطينية في غزة والضفة، ولا عزاء لدماء الأبرياء من الفلسطينيين والعرب.
لا أرى في قادم الأيام إلا الأسوأ للمنطقة، سوف نشهد توحشًا إسرائيليًا في استباحة الأراضي العربية في لبنان وسوريا واليمن، وربما تتسع دائرة الأطماع لأبعد من ذلك لتنفيذ مخطط استعماري عقائدي صهيوني طالما حلموا به وخططوا له، والفرصة باتت سانحة وأقرب من أي وقت مضى.
سيحل ترامب زائرًا، غير مرغوب فيه، بالمنطقة خلال ساعات، ويغادرها محملًا بتريليونات الدولارات، بينما غزة لن يكون لها ذكر إلا في نشرات الأخبار المدعومة بمشاهد الدماء والركام التي لم تترك شارعًا ولا حارة إلا وحلت به كارثة؛ لتقدم للتاريخ شهادة عن جريمة ارتكبها هذا المحتل أمام أعين عالم صامت متخاذل، ومنظمات دولية فقدت دورها وهيبتها تحت أقدام الأمريكيين والصهاينة.
ترامب سيأتي، وفي حقيبته مشروعات وخطط اقتصادية، فقد قالها صراحة مسئولون أمريكيون، إن غزة لن تكون لها أولوية في الزيارة، إذا ما قورنت بأمور الصفقات والاستثمارات المزمع بحثها، ربما تحدث انفراجة محدودة في مسألة توزيع المساعدات في غزة بمناسبة الزيارة، لكن يبقى الهدف الأكبر هو إعادة احتلال غزة.
هكذا يبدو المشهد، وتلك هي ملامح المستقبل، وهذه هي الحقيقة المرة، ولا يمكن تفسير قيام إسرائيل بحشد جيشها واستدعاء أكثر من ١٦٠ ألفًا من الاحتياطي سوى أنها عزمت النية على تنفيذ مخطط الاحتلال والتهجير بدعم وشراكة أمريكية سافرة، وغياب كامل لإرادة المجتمع الدولي.
ويخطئ من يصدق ما يتم تسريبه من أنباء حول نشوب خلافات بين ترامب ونتنياهو حول الحرب، وأن واشنطن تريد وقف هذه الحرب وتوزيع المساعدات، فمثل هذه الأخبار في تقديري لا تعدو إلا أن تكون محاولة يائسة لتجميل صورة أمريكا قبل زيارة ترامب، وتغييب الوعي في الشارع العربي؛ عبر إرسال رسائل زائفة مفادها أن أمريكا لا توافق إسرائيل على طول الخط وتسعى لإنهاء هذه الحرب، لكن الحقيقة الدقيقة أن أمريكا هي شريك أصيل في إبادة غزة، وأن ترامب يداه ملطختان بدماء الشعب الفلسطيني الذي يتم قتله على مدار الساعة بسلاح ترامب الفتاك، الذي منح مجرم الحرب نتنياهو الضوء الأخضر لاحتلال غزة بالكامل.
أليس هو ترامب الذي كان عاتبًا على إسرائيل أنها انسحبت من غزة قبل ذلك؟ ألم يكن ترامب هو من قال إن خريطة إسرائيل صغيرة ويجب أن تكبر، في إشارة لتوسيع حدود هذا الكيان المحتل على حساب الأراضي العربية؟!
ثم أليس ترامب هو من أفرج عن شحنات السلاح المحظور استخدامها في المدن، ومنحها لحكومة نتنياهو لقتل الفلسطينيين؟! ألم يكن ترامب هو أول من اقترح تهجير الفلسطينيين من غزة؟! أليس ترامب من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترف بها عاصمة لإسرائيل؟!
تلك هي خططهم ومخططاتهم، أما نحن العرب فمن العار على هذه الأمة أن تواصل صمتها وتخاذلها أمام هذا المخطط، الذي بات واضحًا أنه يستهدف تصفية القضية الفلسطينية وشطبها من الخريطة، إلا اللهم أمل أخير في القمة العربية المقرر عقدها خلال أيام بالعاصمة العراقية بغداد، فهناك فرصة أمام هذه القمة التي تأتي في توقيت بالغ الأهمية في تاريخ الأمة، أن ترتفع إلى تطلعات مشروعة للشارع العربي الذي يتوق لموقف عربي يرتقي إلى مستوى الأحداث الجسام التي تتهدد الأمة، وتهدد سيادتها وأمنها القومي وتردع إسرائيل وشريكها الأمريكي.
فالقمة العربية في بغداد مطالبة بقرارات ومواقف حاسمة وحازمة، تحافظ على الحقوق العربية التاريخية، وتردع هذا الكيان المحتل وشريكه الأمريكي، أما بيانات الشجب والإدانة والاستنكار فلم تجلب إلا الانكسار.
[email protected]