ربما كنت على حافة الجنون لكن بقايا من عقل مازالت تمدنى بشىء من وعى أفهم منه أن شيطان نفسى و رغبتى في المال الحرام دفعتنى لاقتراف ما لا يبرره منطق أو عقل ولكنها الدنيا التي وجدت نفسى فيها طفلا من بين تسعة أبناء ملقى في الشارع لا ألهو ولكن لأجلب المال تسولا أو حتى سلبا وأعطيه لوالدى الذى ليس له عمل في الدنيا غير تجميع محصول أبنائه وشقائهم من غلة اليوم.
موضوعات مقترحة
كبرت في الشارع وتعايشت بمنطقه وفهلوة الكسب الحرام وفرض السيطرة وترويع الآمنين وسلب أموالهم حتى وجدت نفسى يوما ما خلف الأسوار سجينا في قضية سرقة بالإكراه، وفى السجن تمرست في عالم آخر أكثر شراسة من الشارع، اختلطت بعتاة المجرمين من محترفى تجارة المخدرات والهجامة تجار العملة والأموال العامة وعرفت أسرارا كثيرة عن الكسب الحرام ولأنى كنت أمتلك بنيانا قويا ونباهة فطرية سرعان ما وجدتنى مختلطا بهم أتعلم منهم حتى انقضت فترة السجن و خرجت إلى الدنيا إنسانا آخر غير الذى كنت عليه.
لم أعد لوالدى وإخوتى، أسقطتهم من حياتى وانخرطت في عالم وجدت نفسى فيه أحقق من المال الحرام أكثر مما كنت أحلم وكبرت بشكل سريع وحققت ثراء من الاتجار في كل شيء ممنوع ومحرم وعند هذه المرحلة فكرت في أن أصنع لنفسى واجهة اجتماعية أتخفى وراءها كما استطعت غسيل أموالى استطعت أيضا أن أغسل حياتى الملوثة وأرسم صورة لرجل عصامى بنى نفسه بنفسه كفاحا و طموحا مشرفا.
وما أن وجدت نفسى أسير على الطريق ثابت الخطى قررت أن أكون أسرة وتقدمت لإحدى الفتيات كلى ثقة أنى فرصة لها وبدأت الحياة بالصورة التي أردتها، أمارس عملى في الخفاء وأعيش حياتى الاجتماعية بشكل مثالى فأنا رجل أعمال شريف صورتى بين الناس رجل البر والإنفاق في الخير بسخاء.
كل ما أحطت نفسى به من جماليات اجتماعية لم يكن ليمحو ما في داخلى من سواد أزلى تملك منى شيطانا يعربد في روحى، يقض مضجعى لا أنام إلا صريعا للمهدئات، كنت واهما أنى لما أوقف نشاطاتى المريبة وأكتفى باستثمار ما حققت من ثروة سوف أغسل روحى من لمم الحرام وآثامه وأغير من نفسى الأمارة بالسوء ولكن ثقل من جرم أختنق منه لا يفارقنى، يملأ أذناى بأن لا فائدة، "كنت مستقرا طوال حياتك، وما أشقاك بمراجعتك لنفسك, هل لو لم تغادر محافل الإثم هل كنت على ما أنت عليه من اختناقات الندم والحسرة، هل وهل ومائة هل" ...... أكاد أجن!
كانت أسرتى تبدو مثالية إلى حد كبير فزوجتى من أسرة طيبة ترعى الله في وفى ابننا الوحيد تعمل على تربيته تربية صالحة لم يغشى عينيها المال الذى وفرته لها وصغيرها وقطعا لم تكن تعلم أنه من مصدر حرام ولكنها كانت مؤمنة بفكرة الاتكاء على المال وإن كثر في تربيتها لابنها سوف تجعله مدللا وهى تريده رجلا قادرا على الاعتماد على نفسه، عصاميا كوالده يبنى نفسه بنفسه حتى أنها جعلت منى صورة مثالية لأب هو بالتأكيد لست أنا ....!
أكتب لك ليس بحثا عن فتوى فكم من رجال في الدين استمعت لهم وجميعهم يتكلمون عن التوبة والابتعاد عن كل ما هو حرام حققته وفى ذلك مستحيل لست قادر عليه، أنا أقف على الحافة بين ماض مزرى وآت لا أريد لنفسى فيه شيئا من الماضى كفعل آثم لكنى أريد نتاج حياتى من مال وإن كان حراما فماذا أفعل في نفسى؟ وكيف أقومها أو كيف أكون إنسانا آخر غير الذى كنت عليه بلا شائبة؟
س.م
يا أخى احمد الله أنك قد أفقت لنفسك وأنت في كامل وعيك فما بعد الغرغرة توبة ولكن التوبة النصوح كما حددها الله سبحانه وتعالى مشروطة بنص القرآن استغفارا وإقلاعا عن الذنب وإصرارا على الاستمرار في التوبة والعمل بها وصدق المولى عز وجل فيما أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم من دستور قرآنى للتوبة: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ). [سورة آل عمران، آية: 135].
ومن هنا تدرك الطريق الذى وجب عليك أن تسلكه دون النظر لما يتملكك من مخاوف الإفلاس لو غادرت المال الحرام الذى حققته فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه وتستطيع أن تجعل مما في يديك من مال مصدرا للخير للناس، أنفقه في سبيلهم واجعل من استثماراتك دعما لخير يمنع عن الناس الشر الذى كنت فيه كأن تتبنى حالات الاستشفاء من الإدمان و تمنع العوز عن ناس أدخلهم الدين السجون فتسده عنهم وغير ذلك كثير من مناحى الخير فاستثمارك في الخير دليل إثبات على إصرارك عليه وثبات نفسك على التوبة وهجر الشر والمضى قدما في التطهر أما أمر قبول التوبة فذلك ليس في يد أحد غير الله عز وجل فما أغلق الرحمن بابه في وجه تائب نصح في توبته ولعل قلقل روحك وتوترها مقياس خير لما أنت فيه لا مقياس شر يزعجك ويقض مضجعك أولو مت على توبتك و إصلاح نفسك كمن مات على غيه وإسرافه على نفسه؟!
ارجع إلى رشد يا أخى فأنت على خير مما أردته لنفسك فلا تحزن واسعد بعطية الله لك زوجتك صالحة الإيمان وخلفها الصالح أليس في كل هذا علامات رضى وحب من المولى عز وجل فلا تقنط من رحمة الله ولا تسرف على نفسك بوساوس الشيطان وإملاءاته يريد أن يعيدك لغيه وشره.
ولعلك تستضئ بقول الله تعالى في محكم آياته: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].