أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن علماء التفسير توقفوا طويلاً عند قول الله تعالى: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى"، متأملين في دلالة حرف الجر "من"، ومتسائلين: ما فائدة هذا الحرف؟ ولماذا لم تأتِ الآية بعبارة: "واتخذوا مقام إبراهيم مصلى" فقط؟
موضوعات مقترحة
وأضاف خلال مشاركته في برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على قناة الناس مساء السبت، أن هذا التساؤل فتح بابًا واسعًا أمام المفسرين، حيث رأى بعضهم أن "من" تفيد التبعيض، أي أن الصلاة تكون في بعض أجزاء المقام لا كله.
لكن الإمام القفال الشاشي، أحد كبار المفسرين، أبدع برؤية عميقة حين قال إن "من" في الآية ليست للتبعيض، بل للتجريد، وهو أسلوب بلاغي يُستخدم للمبالغة في الاتصاف، كما يُقال في التعبير العربي: "من فلان صديق حميم"، أي أن الشخص بلغ الكمال في صفات الصداقة.
وأوضح الدكتور داود أن هذا الفهم الدقيق يفتح دلالات موسعة، تجعل من كل ما يلي مقام إبراهيم داخل الحرم مكانًا مشروعًا لأداء ركعتي سنة الطواف، وليس فقط خلف المقام مباشرة، وهو ما يعكس يُسر الشريعة وسعتها، لا سيما في مواسم الزحام كالحج والعمرة.
وأشار إلى أن هذا المعنى يتأكد من خلال سنة النبي ﷺ، إذ صلى خلف مقام إبراهيم وقرأ الآية، دون أن يتقيد بمكان محدد، وهو ما يعزز تفسير "من" على أنها للتجريد، ويؤكد مرونة الشريعة وبلاغة التعبير القرآني، داعيًا إلى إدراج هذا الفهم ضمن مناهج الأزهر في تدريس التفسير وعلوم اللغة.