نتنياهو ومستقبل إسرائيل

10-5-2025 | 13:37

صدق نتنياهو وهو "الكذوب"؛ صدق عندما كرر قوله بأن الحرب الحالية هي حرب وجودية بامتياز، وعليه استعادة هيبة إسرائيل التي "مزقتها" كل المواجهات العسكرية التي خاضتها منذ ما بعد 7 أكتوبر 2023، حيث أثبتت فشلًا ذريعًا للمخابرات الإسرائيلية في "التنبؤ" بالهجوم عليها، وفشلًا عسكريًا تساوى فيه القادة والجنود؛ فأثبتت التحقيقات "اختباء" قائد عسكري صهيوني فور علمه بالهجوم، وأظهرت الصور اختباء جنود خوفًا من المقاومة.

وتنشر الصحف العبرية "يوميًا" المزيد من الأخبار عن تزايد مظاهرات الحريدم -وهم اليهود المتدينين- لرفض التجنيد في صفوف الجيش الإسرائيلي، وتزايد عدد الجنود الاحتياط الرافضين العودة للخدمة العسكرية، وزيادة أعداد أهالي الجنود الداعين الحكومة الصهيونية إلى إنهاء الحرب "بأي ثمن".

وكتبت صحيفة "هآرتس": 12% من الجنود يعانون ما بعد الصدمة ولا يصلحون للعودة للقتال.

كما تضاعفت أعداد الخبراء العسكريين ورؤساء الحكومة السابقين ورؤساء الشاباك السابقين الذين يؤكدون عدم جدوى استمرار الحرب.

وكتب عاموس هرئيل المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس": نحن نسير إلى كارثة جديدة في غزة بعد توسيع العملية الإسرائيلية وسنفقد جنودًا وأسرى، ونشك أن تحقق هذه العملية إخضاعًا للمقاومة.

تلقى نتنياهو "صفعات" متتالية من جهات متعددة؛ فلم يحسم الحرب في غزة بالرغم من مرور 19 شهرًا على بدايتها، والتمادي في الإبادة ومحو عائلات كاملة من السجل المدني، ووجود أكبر نسبة بتر للأطراف في العالم في غزة التي كان يبلغ عدد سكانها مليونين ونصف قبل الإبادة بالطبع..

ووصل عدد الشهداء والمصابين والمفقودين والمرضى الذين يئنون لعدم توافر الأدوية، ومنهم مرضى السرطان والفشل الكلوي وغيرهم من الحالات الحرجة وصل إلى مئات الآلاف.

وما زلنا نسمع أصوات من "تبقى" على قيد الحياة منهم: هذه أرضنا نعيش ونموت عليهم ولن نتركها.

يحدث ذلك رغم المدد الذي "لا" ينقطع عن إسرائيل من أقوى الجيوش في العالم.
وفي لبنان تلقى نتنياهو صفعة استمرار المقاومة بعد اغتيال حسن نصر الله، وكثير من قادة الصف الأول العسكريين راهنوا على حدوث انهيار سريع في حزب الله، خاصة بعد "مذبحة" البيجر التي استشهد وأصيب خلالها 4 آلاف من أعضاء الحزب ومن "مدنيين" لا علاقة لهم بالحزب.

فوجئ نتنياهو ومن معه بمقاومة صلبة وشرسة لهم واستبسال، ومنهم إبراهيم حيدر الذي واجه "وحده" كتيبة إسرائيلية وهو متحصن في منزل، وراح يطلق عليهم النيران من أماكن مختلفة في البيت، وظنوا أنهم يواجهون كتيبة مقاتلين "وعجزوا" عن قتله؛ فاستعانوا بطائرة ممتلئة بالمتفجرات وألقوها عليه، وأفاقوا على صدمة أنهم كانوا يقاتلون مقاتلًا واحدًا!!

وتحدثت عنه الصحف العبرية "بانبهار" وعدم تصديق؛ فلا يتخيلون مدى قوة من يدافع عن أرضه وأرض أجداده، فهو ليس كاللص الذي يسارع بالفرار عندما يحاصره أصحاب الحق، أليس كذلك؟! أو يستعين بلصوص آخرين لمساندته وهو ما نراه جميعًا.

أما خسارة إسرائيل من صواريخ الحوثيين فحدث ولا حرج؛ فالصواريخ تتزايد يومًا بعد يوم، ووصلت إلى مطار بن غوريون وأوقفت الطيران فيه لبعض الوقت، وأعلنت شركات طيران عالمية عن إيقاف طائراتها للكيان لفترات مختلفة، وزادت شركات مبالغ التأمين على الطائرات المتجهة لإسرائيل بنسبة 50%، فضلًا عن توقف ميناء إيلات عن العمل بسبب منع الحوثيين لأي سفن بالتوجه إلى إسرائيل ما دامت تواصل الإبادة في غزة.

قصفت إسرائيل ميناء الحديدة، وهو خارج الخدمة ومدمر منذ شهور؛ لتحدث ألسنة لهب عالية!! وقصفت المطار ويدعون أنه يتم إطلاق الصواريخ منه فأي عقل يمكنه تصديق ذلك؟!

وقالت: إميلي مواتي عضو الكنيست السابقة: لا جدوى من الهجمات الإسرائيلية باستثناء إرضاء الرأي العام في القناة 13 الإسرائيلية.

تابع نتنياهو الهجوم على اليمن من "حفرة" داخل نفق كما أعلنت صحيفة "معاريف"..

ولعل هذا أصدق ما يعبر عن حقيقة وضع نتنياهو وإسرائيل الحالي؛ فهو في حفرة يسعى بأبشع ما وصلت إليه من وحشية للقفز خارجها للنجاة مما ينتظره من محاكمات بتهم الفساد هو وزوجته التي بدأت من سنوات، ويطيل الحرب للتهرب منها، وأيضًا يسعى ليكون "الملك" في تاريخ الكيان الذي أنقذه في حرب وجودية بكل ما تعنيه الكلمة، وهو الذي كان ينتشي طربًا بلقب "سيد الأمن"؛ وإذا به يجعل الإسرائيليين يفقدون الأمن بكل معانيه السياسي والوجودي والاقتصادي بل والاجتماعي!!

فلم يشهد الكيان منذ قيامه كل هذه الانقسامات التي مزقته وهو الذي كان يعاني سابقًا فقط من التفرقة الشديدة بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين وبين شراسة الحريدم في مواجهة باقي فئات اليهود.

ونتوقف عند تكرار قصف نفس الأهداف في غزة والأهداف التي قصفتها أمريكا في اليمن؛ فهو دليل "إفلاس" نتنياهو ومن معه، وربما "لخداع" الرأي العام في إسرائيل وإيهامه باستعادة السيطرة المزعومة والهيبة المفقودة والردع الضائع.

وأعلنت إذاعة (NBC) الأمريكية نقلًا عن مسئولين أمريكيين أن الحرب على الحوثيين كلفت أمريكا أكثر من مليار دولار وآلاف القنابل والصواريخ وإسقاط 7 مسيرات وغرق مقاتلتين.

قد يتمكن نتنياهو من انتزاع أي صورة للنصر على أشلاء الأطفال والنساء والمصابين؛ ولكنه يدرك جيدًا أن الهبوط قد بدأ، وأن الكيان لن يستمر طويلًا، وإن تواصلت محاولات إمداده "بالتنفس الصناعي" من الغرب، وهذه ليست أمنيات بل قراءة للتاريخ، ولما يردده البعض في إسرائيل، ومن تزايد الهجرة منها أيضًا.

ندرك وننبه أن المشكلة ليست في وجود نتنياهو، فزعيم المعارضة يائير لابيد، الذي يعلن سعيه للفوز بمقعد رئيس الوزراء بدلا من نتنياهو، لا يقل عنه صهيونية ولا وحشية، تمامًا كما أن كل جيل فلسطيني يكون أشد عزمًا مما سبقه وأكثر خبرة، ويمتلك ميراثًا عظيمًا بأن النصر آت ولو بعد حين، ويعمل بكل قواه ليقترب منه أو يقربه لمن يأتي بعده.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة