فتيل الحرب المشتعل بين الهند وباكستان..«كشمير» تعرف على جذور الصراع بين الجارتين النوويتين

8-5-2025 | 16:10
فتيل الحرب المشتعل بين الهند وباكستان;كشمير; تعرف على جذور الصراع بين الجارتين النوويتينكشمير فتيل الحرب المشتعل بين الهند وباكستان

تعد منطقة كشمير، منطقة  صراع تاريخي منذ أكثر من سبعة عقود، ظل إقليم كشمير محورًا لصراع معقّد ومتشعب بين الهند وباكستان، اشتبكت خلاله الدولتان في عدة حروب، وأُريق فيه الكثير من الدماء، وما زال يُعتبر من أخطر بؤر التوتر في جنوب آسيا، وربما في العالم بأسره، فما هي جذور هذا النزاع؟ وما الذي يجعل كشمير نقطة صدام دائم بين الجارتين النوويتين؟. 

موضوعات مقترحة

الانفصال الكبير وبداية الأزمة

بدأت جذور الأزمة مع نهاية الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية عام 1947م. 

لمحة جغرافية 

تقع كشمير في أقصى الشمال الغربي لشبه قارة جنوب آسيا، وتتمتع بموقع استراتيجي بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، حيث تتقاسم الحدود مع كل من الهند، وباكستان، وأفغانستان، والصين، فتحدها من الجهة الشمالية الغربية أفغانستان، ومن الشمال تركستان الشرقية، ومن الشرق منطقة التيبت، ومن الجنوب كل من محافظة "هيماشال برادش" ومنطقة البنجاب الهنديتين، ومن الغرب إقليما البنجاب وسرحد الباكستانيان. وتبلغ مساحتها الكلية 86023 ميلاً مربعاً، يقسمها خط وقف إطلاق النار لعام 1949م (الذي يطلق عليه اليوم خط "الهدنة" وفقاً لاتفاقية سملا لعام 1972م)، حيث إن 32358 ميلاً مربعاً منها يشمل الجزء المحرر ويُسمى ولاية جامو وكشمير الحرة، و53665 ميلاً مربعاً منها تحت الاحتلال الهندوسي ويطلق عليها ولاية جامو وكشمير المحتلة

السكان 

حسب إحصائية تمت عام 1941م بلغ عدد سكان الولاية 4021616 نسمة، كان المسلمون يشكلون منهم نسبة 77%، بينما الهندوس 20%، و3% من السيخ والأقليات الأخرى. وحسب الإحصاء الذي قامت به الهند سنة 1981م، بلغ عدد سكان كشمير المحتلة 5987389 نسمة، يشكل المسلمون نسبة 2.64% منهم، والهندوس 25.32%، والسيخ 23.2% والبقية ما بين بوذيين ومسيحيين وأقليات أخرى.

وتعكس الإحصائيات التي قامت بها السلطات الهندية بعد تقسيم شبه القارة، انخفاضاً في النسبة المئوية التي يمثلها المسلمون، وارتفاعاً في نسبة الهندوس، غير أن هذا التغير في نسبة الهندوس إلى المسلمين غريب من نوعه، حيث إنه لم تتم الإشارة في الإحصائيات العديدة إلى أي عامل منطقي يقف وراءه كالهجرة أو معدلات تكاثر أو وفيات غير عادية، مما يوحي بأنه ربما كان مؤامرة هندية تهدف إلى تغيير البنية السكانية لغير صالح الأغلبية المسلمة.

ويبلغ عدد سكان كشمير الحرة 1983465 حسب إحصاء 1981م، يمثل المسلمون أغلبية ساحقة منهم بنسبة 8.99%، وتتوزع البقية على الهندوس والميسحيين والأحمديين والقاديانيين. 

دخول الإسلام إلى كشمير 

دخل الإسلام إلى كشمير خلال القرن الثامن الهجري ، حيث اعتنق رينجن شاه وهو حاكم كشميري بوذي الإسلام في 1320م على يدي سيد بلال شاه وهو رحالة مسلم من تركستان، وقويت شوكة الإسلام خلال حكم شاه مير (1338-1344) وقد انخرط العلماء في صفوف الجماهير لتبليغ دين الله، ومعظم هؤلاء العلماء قدموا من وسط آسيا، ومن بينهم سيد بلال شاه، سيد جلال الدين بخاري، سيد علي الهمداني وابنه سيد محمد الهمداني إلخ، ورغم الجهود التي بذلها كل هؤلاء العلماء، إلا أن جهود سيد علي الهمدان وقد تميزت عن غيرها. فقد ولد في منطقة همدان بإيران في سنة 1314م واضطره غزو قوات تيمورلنك لوسط آسيا إلى الهجرة إلى كشمير التي خصها بثلاث زيارات في السنوات 1372م، و1379م و1383م على التوالي برفقة 700 شخص من أتباعه، حيث وفق في نشر الإسلام بين الآلاف من الكشميريين، وقد تعقب ابنه سيد محمد الهمداني خطاه وأقنع الحاكم المسلم آنذاك سلطان إسكندر (1389-1413) بتطبيق الشريعة، فقد تميز الحاكم المسلم سلطان زين العابدين بن إسكندر (1420-1470) بتسامح كبير تجاه الهندوس، وفي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي كان أغلبية سكان كشمير قد اعتنقوا الإسلام.

ومن الأمور الملفتة أن انتشار الإسلام في كشمير وتكاثر أتباعه، كان يتم عن اقتناع كامل وليس قسراً أو إكراهاً، حيث مهدت ظروف عديدة الطريق نحو هذا الانتشار الواسع للإسلام ومن أهمها: رغبة الطبقة الدنيا من الهندوس في إحراز المساواة الاجتماعية والفرص العادلة للازدهار، مما جعلها ترى في الإسلام أفضل بديل عن الحياة التي كانت تحياها.

وقد استمر الحكم الإسلامي في كشمير قرابة خمسة قرون من 1320م إلى 1819م، ويعتبر هذا الدور "العصر الذهبي" لتاريخ الولاية، وذلك لما كان الشعب الكشميري يتمتع به من الرفاهية والحرية والأمن والسلام تحت رعاية حكومة هؤلاء الحكام المسلمين

وفي سنة 1819م قام حاكم البنجاب السيخي "رانجيت سينغ" بغزو كشمير، وحكمها حتى سنة 1846م وأذاق شعبها الويلات، ففرض الضرائب الباهظة وأجبر الناس على العمل دون أجر، وسن قوانين عنصرية ضد المسلمين، وأغلق العديد من المساجد ومنع إقامة الصلوات فيها، وكان دم المسلم أرخص من سواه، في حين كان القانون يعتبر ذبح بقرة جريمة عقوبتها الموت.

حكم عائلة (دوغرا) الهندوسية

ترجع وضعية جامو وكشمير الحالية إلى سنة 1846م حينما باعها البريطانيون لـ"غلاب سينغ" بمبلغ 5.7 مليون روبية بموجب "اتفاقية أمريتسار" (مارس 1846م) وذلك غداة الحرب الأولى التي نشبت بين الإنجليز والسيخ، وقد علّق "بريم ناث بزاز" على هذه الصفقة، وهو أحد الوجوه السياسية المعروفة في كشمير بقوله: "مليونان من البشر في وادي كشمير وجلجت بيعوا كما تباع الشياه والأغنام لمقامر غريب، دون أن يكون لهم أدنى رأي في الموضوع".

وقد استطاع غلاب سينغ بمزيج من الغزو والدبلوماسية أن يسيطر على جامو وكشمير بما في ذلك مناطق لاداخ وبلتستان وجلجت، وأنشأ نظام حكم لعائلة "دوغرا" التي حكمت كشمير حتى سنة 1947م.

وقد أعقب غلاب سينغ ثلاثة حكام هم رانبير سينغ (1858م) وبارتاب سينغ (1885م) وهاري سينغ (1925م) الذي كان آخر حكام هذا النظام إلى تاريخ انقسام شبه القارة في 1947م.

ولقد كانت عائلة "دوغرا" شبيهة بالحكم السيخي من حيث إلحاق الأذى بالمسلمين عن طريق فرض الضرائب الباهظة وسن القوانين التمييزية وسد سبل التعليم في وجوههم، ومن مظاهر هذا الاضطهاد كذلك نظام الجباية الذي كان قاسياً، فبالإضافة إلى أخذ 50% من المحاصيل، كان المسؤولون يأخذون ضرائب على النوافذ والمواقد وحفلات الزواج، وعلى قطعان الماشية بل وحتى على مداخن بيوت المسلمين، وكان ذبح الأبقار ممنوعاً بموجب القانون وتوقع على فاعله عقوبة الإعدام، وكانت المساجد تابعة للحكومة، كما أن جريمة قتل المسلم كانت تعدُّ أهون شأناً من قتل غير المسلم، إضافة إلى سحق أي مظهر من مظاهر الاحتجاج السياسي بوحشية. ولذا فقد شهدت المنطقة حوادث عديدة تم فيها حرق عائلات مسلمة بأكملها بحجة انتهاك القوانين المذكورة، كما أن عمال مصنع الحرير التابع للحكومة الذين احتجوا على الأجور المنخفضة في سنة 1924م، أغرقوا في النهر بأمر من المهراجا.

اندلاع حركة تحرير كشمير

اندلعت الحركة الشعبية الكشميرية في 1931م حينما قام ضابط شرطة بمنع إمام المسجد من إلقاء خطبة الجمعة، وهو الأمر الذي دفع أحد الأشخاص ويدعى عبدالقدير بإلقاء خطاب حماسي حول القرارات التي يصدرها الملك الهندوسي ضد المسلمين.

وفي حادثة تناقلتها الكتب التي أولت التاريخ الكشميري اهتماماً بالغاً وهي حادثة لها مدلولها الخاص، واستقت غرابتها من غرابة الحدث ففي 1931م، حينما اجتمع عدد كبير من المسلمين الكشميريين لإعلان التضامن مع عبدالقدير خان وذلك في فناء السجن وحين حان وقت صلاة الظهر، قام أحد منهم يرفع الأذان وأثناءه أطلقت عليه القوات الأمنية النار فأُردي شهيداً، الأمر الذي دفع شخص آخر متواجد في الحضور لإكمال الأذان، وأطلقت عليه النار ليلقى ربه شهيداً، وقام آخر بما قام به إخوته في الدين، ولقي نفس المصير، والعجيب أن الذين استشهدوا في هذه الحادثة 22 شخصاً حتى تم الأذان بالكامل، وهذه الحادثة الغريبة والتي هي أشهر من نار على علم في كشمير تعرف بمعركة مؤتة حيث استشهد زيد بن حارثة -رضي الله عنه- حامل راية المسلمين فأخذها عنه جعفر الطيار -رضي الله عنه- ثم عبدالله بن رواحة رضي الله عنه- ثم استلم الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه حتى نهاية المعركة.

حركة تحرير كشمير إسلامية

يتبين من ذلك بأن حركة تحرير كشمير كانت حركة إسلامية حيث كانت تستهدف تحرير ولاية جامو وكشمير المسلمة من حكم عائلة دوغرا الهندوسية وإقامة الحكم الإسلامي فيها غير أن هذه الحركة قد انقسمت إلى قسمين وذلك حينما مال شيخ عبدالله أحد قادة هذه الحركة إلى تبني النظرة العلمانية القومية التي ينطلق منها الكونجرس الوطني الهندي، مما دعاه إلى تغيير اسم مؤتمر مسلمي جامو وكشمير فسماه مؤتمر كشمير القومي، إلا أن مخاوف قائد آخر للحركة وهو تشودري غلام عباس من أن يصبح هذا المؤتمر امتداداً للكونجرس الوطني الهندي، دفعته في أكتوبر 1941م إلى بعث الحياة في مؤتمر مسلمي كشمير، والذي استطاع من خلال الأغلبية التي يتمتع بها في المجلس التشريعي للولاية تمرير قرار يقضي بانضمام كشمير إلى باكستان وذلك بتاريخ 1947م.

وجدير بالذكر أن مؤتمر مسلمي كشمير في ذلك الوقت كان يعتبر الممثل الشرعي الوحيد للشعب الكشميري المسلم، وذلك لأنه في الانتخابات البرلمانية للولاية التي عقدت في يناير عام 1947م قد تمكن مؤتمر مسلمي كشمير من الحصول على (16) مقعداً من أصل (21) مقعد خاص للمسلمين في برلمان الولاية. وكما ذكرنا قبل ذلك أن المسلمين في الولاية في ذلك الوقت كانوا أكثر من 85% من السكان، حين تم تقسيمها إلى دولتين مستقلتين: الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان ذات الغالبية المسلمة.

في هذا السياق، طُلب من الولايات الأميرية، التي كانت تتمتع بحكم شبه ذاتي، أن تختار بين الانضمام إلى الهند أو باكستان، أو البقاء مستقلة.

كانت ولاية جامو وكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، تحت حكم مهراجا هندوسي يُدعى هاري سينغ، وقد فضل في البداية البقاء مستقلاً، لكن الوضع تصاعد بسرعة بعد تمرد داخلي وغزو من قبائل باكستانية مدعومة من إسلام آباد؛ مما دفع المهراجا إلى طلب المساعدة من الهند مقابل التوقيع على وثيقة الانضمام، وهو ما حصل بالفعل.

 تقسيم كشمير والاشتباكات المتكررة

1-اندلعت الحرب الهندية الباكستانية الأولى (1947-1948م) بسبب هذا النزاع، وانتهت بتقسيم الإقليم إلى قسمين: أحدهما تحت السيطرة الهندية (يشمل وادي كشمير وجامو ولداخ)، والآخر تحت السيطرة الباكستانية (المعروف باسم "آزاد كشمير" و"غيلغيت - بلتستان").

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد تكررت المواجهات:

2-الحرب الثانية عام 1965م، إثر محاولة باكستان ضم كشمير عبر دعم تمرد داخلي.

3-الحرب الثالثة عام 1971م، التي أدت إلى انفصال بنغلاديش عن باكستان، لكنها زادت من تعقيد العلاقة بين الجارتين.

4-حرب كارجيل عام 1999م، التي اندلعت بعد تسلل مقاتلين مدعومين من باكستان إلى مواقع هندية في كارجيل.

الوضع السياسي والقانوني لكشمير

بموجب المادة 370 من الدستور الهندي، كانت كشمير تتمتع بوضع خاص يسمح لها بقدر واسع من الحكم الذاتي. لكن في أغسطس 2019م، ألغت الحكومة الهندية هذه المادة وأخضعت الإقليم لسيطرة اتحادية مباشرة، مما أثار موجة غضب واسعة داخل الإقليم وفي باكستان.

الهند تعتبر كشمير جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، بينما ترى باكستان أن الإقليم يجب أن يكون ضمن أراضيها بسبب غالبيته المسلمة. هذا التباين في المواقف ساهم في تأزيم الوضع بشكل مستمر.
الأبعاد الدينية والإنسانية للنزاع

رغم أن الصراع في جوهره سياسي، إلا أن له بُعدًا دينيًا واضحًا، حيث تدّعي باكستان حماية المسلمين في كشمير، فيما تنظر الهند بعين الشك إلى أي نشاط انفصالي وتربطه بالتطرف والإرهاب، كما شهد الإقليم حركات انفصالية بعضها يطالب بالانضمام لباكستان، والبعض الآخر يطالب بالاستقلال الكامل عن الطرفين.

تدهورت الأوضاع الإنسانية في كشمير، خاصة في الجزء الخاضع للهند؛ نتيجة العنف المستمر، والانتشار العسكري الكثيف، والقيود على الحريات العامة، ما جعل القضية الكشميرية محل اهتمام متزايد من منظمات حقوق الإنسان.

التدخل الدولي والموقف الأممي

أصدرت الأمم المتحدة عدة قرارات تطالب بإجراء استفتاء شعبي يقرر سكان كشمير من خلاله مصيرهم، لكن الهند رفضت هذه الخطوة معتبرة أن الإقليم قد حسم انضمامه إليها من خلال الوثيقة القانونية التي وقعها المهراجا.

رغم المناشدات الدولية للتهدئة والحوار، ترفض الهند تدويل القضية وتصر على أنها "شأن داخلي"، بينما تسعى باكستان إلى إبقاء القضية حيّة على الساحة الدولية.

د. سليمان عباس البياضي

عضو اتحاد المؤرخين العرب 


د. سليمان عباس البياضي د. سليمان عباس البياضي
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة