في عالم يشهد تحولات سريعة نحو الاستدامة، تتجه أنظار الدول إلى ابتكار حلول تؤمن إمداد المناطق النائية باحتياجاتها من الطاقة من جانب، وتجنيب مُشغلي الشبكات أعباء إضافية من جانب آخر.
من بين هذه الحلول، تبرز الشبكات الكهربائية الصغيرة المعزولة كأحدى أدوات إستراتيجيات تحقيق تنمية متكاملة، خاصة في الدول التي تتمتع باتساع نطاقاتها الجغرافية.
خلال الأسبوع الأول من مايو الجاري وعلى مدى يومين، وعبر تعاون مشترك جمع ممثلي جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، والمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة RCREEE، وبرنامج MENALINKS، تحلق الخبراء من مختلف التخصصات لتبادل الآراء ومناقشة مسودة تشريعات تنظم إنشاء شبكات كهرباء صغيرة معزولة (غير متصلة بشبكة الكهرباء).
ولتبسيط الأمر للقارئ الكريم، يعد إنشاء مثل هذه الشبكات إحدى آليات جذب استثمارات القطاع الخاص بهدف ترفيق وتأهيل مناطق بعيدة عن الشبكة وإمدادها بكهرباء من مصادر متجددة، بحسب الغرض المنشأة من أجله؛ صناعي أو سياحي أو غيرهما، وفي هذا الصدد، تسعى مصر للوصول بمشاركة المصادر المتجددة بأكثر من 40% بحلول عام 2030، ونحو 65% عام 2040.
وقد أحسن مرفق الكهرباء عملًا بدعوته الجهات ذات الصلة لمناقشة مسودة التشريعات لتعكس نبض السوق وضمان تحقيقها مكاسب مشتركة للأطراف كافة؛ الدولة كمُيسر ومنظم للاستثمار، والقطاع الخاص كمستثمر، فضلًا عما يواكب ذلك من تنمية اجتماعية واقتصادية.
في هذا الصدد، سعت دول كالهند وكينيا وجنوب إفريقيا للاستثمار في الشبكات الصغيرة؛ بغرض إمداد قرى نائية بالكهرباء اختلفت أنماطها بين مشروعات حكومية، وأخرى بشراكة مع القطاع الخاص.
الذي يهمني في هذا المقال، هو كيف نستفيد من هذه الآلية، وكيف نشجعها وندعمها بما يحقق المكاسب المشتركة، في هذا الصدد أشير إلى عدة نقاط.
يركز الإطار العام لمسودة التشريع على المصادر المتجددة اعتمادًا على تنافسية أسعارها من جهة، وخفض الطلب على الغاز من جهة أخرى، وإمكانية دمجها مع بطاريات لتخزين الطاقة Battery Energy Storage System, BESS، لضمان استدامة التغذية، الأمر الذي قد يؤثر في تنافسية أسعارها.
وبهدف منح التجربة الأولى مرونة أكثر، يمكن السماح بدمج وحدات إنتاج كهرباء من مصادر أحفورية مع تحديد سقف، مثلًا عدم تجاوز 10% من القدرات المركبة، مع تطبيق مبدأ صافي انبعاثات صفرية Net-Zero Emissions، مما يجعلها شبكات خضراء صديقة للبيئة.
النقطة الثانية، تركزت المناقشات على جانب التغذية الكهربائية، Supply، مما يطرح أهمية جلوس الجانب الآخر، المستهلك Consumer، إلى الطاولة، والذي قد يكون مجموعة مصانع أو محلات تجارية أو تجمعات سكنية، لمعرفة متطلباتهم ووضع حزم حوافز قد تختلف من قطاع لآخر.
أيضًا، يحتاج المستثمر إلى الاطمئنان إلى استثماراته بمنحه فترة حصرية تمكنه من تحقيق أهدافه، ما دام ملتزمًا بالقوانين والتشريعات المنظمة، وكذلك التخفيف من استخدام أفعال من قبيل (يجوز may/might) تضع الاستثمار في مساحات رمادية وترفع مستوى المخاطر بجعل الإجراءات عرضة للقبول والرفض دون معرفة الأسباب.
من جانب آخر، تسمح دراسة التجارب الدولية بتيسير الجولة الأولى من المشروعات، وذلك لاستخلاص الدروس المستفادة وتجنب التحديات أو على الأقل تخفيف مستوياتها.
وبلا شك، سوف تسمح هذه التشريعات -إذا ما أحسن الاستفادة منها- بتحقيق نقلات نوعية في مجالات التنمية الاقتصادية، خاصة إذا ما تم الإسراع بإصدار النسخة النهائية لهذه التشريعات، وإطلاق الجولة الأولى لتلك المشروعات، مع وضع سقف زمني للبت فيها من جهة، ومتابعة وتقييم تنفيذها لتطوير جولات المشروعات التالية.
يخدم ذلك ارتفاع مستوى نضج سوق الطاقة المتجددة المصري، وتنوع استثماراته عبر آليات مختلفة؛ مشروعات حكومية وقطاع خاص عبر آليات مختلفة، تعريفة التغذية Feed-in-Tariff, FiT، البناء والتملك والتشغيل Build, Own, and Operate, BOO، خاص/خاص Private-to-Private, P2P، وإعادة تأهيل المشروعات Re-Powering، مع توافر خبرات متراكمة لأكثر من ثلاثين شركة قطاع خاص تعمل في مجال توزيع الكهرباء.
إن سرعة إصدار التشريعات، والوضوح في الإجراءات، هما مفتاحان رئيسيان لتحفيز هكذا استثمارات نوعية يمكن أن تحدث فارقًا ملموسًا في حياة المجتمعات البعيدة عن الشبكة الكهربائية، وتضع مصر في صدارة الدول التي توازن بين التنمية والبيئة، خاصة وأن خلفها إرادة سياسية.
[email protected]