الحكومة الألمانية الجديدة.. ولادة متعثرة بين خيانات حزبية وتعديل دستوري عاجل

8-5-2025 | 03:11
الحكومة الألمانية الجديدة ولادة متعثرة بين خيانات حزبية وتعديل دستوري عاجلفريدريش ميرتس يدخل فى مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة الألمانية الجديدة
تحليل: عبد الناصر عارف

الثلاثاء، كان يوما عصيبا في ألمانيا - اليوم المحدد للتصويت داخل البرلمان الألماني "بوندستاج" على اختيار المستشار الجديد لألمانيا ثم الحكومة الائتلافية الجديدة، حدثت مفاجأة صادمة لم يكن يتوقعها أحد، ولم تحدث من قبل في تاريخ ألمانيا الحديث، فقد فشل المستشار المرشح فريدريش ميرتس في الحصول على ثقة البوندستاج في الجلسة الصباحية المخصصة لهذا الغرض.

موضوعات مقترحة

وبهت الجميع في ألمانيا يل وفي أوروبا، حيث كانت الجلسة منقولة على الهواء مباشرة، وتجمد وجه المستشار المرشح ميرتس من هول الصدمة، واضطر رئيس البوندستاج إلى رفع الجلسة، وبالتالي تعثرت عملية ولادة الحكومة الجديدة، وهرعت أجهزة الإعلام الألمانية لبث خبر عاجل، وكان العنوان الرئيس على الشاشات ومواقع الصحافة الإلكترونية خيانة في البوندستاج.. ميرتس يفشل في الحصول على الثقة.

وفى المساء عاد الهدوء وتنفس الجميع الصعداء؛ حيث عقد البرلمان الألماني جلسة استثنائية لإعادة الاقتراع على انتخاب المستشار ميرتس، ونجح في الاقتراع الثاني في الحصول على الثقة بأغلبية بسيطة، وهرول ميرتس مسرعا إلى القصر الرئاسي ليحصل على وثيقة أو قرار رئيس ألمانيا فرانك شتاينماير بتعيينه مستشارا لألمانيا، ليعود مسرعا أيضا الى البرلمان ليقسم اليمين أمام رئيسة البرلمان، وبعلن تشكيل الحكومة الجديدة ويطرحها لنيل ثقة البرلمان، ثم يعود المستشار وحكومته الى القصر الرئاسي مرة أخرى ليحصل كل وزير على وثيقة أو قرار تعيينه من رئيس الجمهورية.

ما بين الصباح والمساء جرت مياه كثيرة، بل اضطرت قيادات الأحزاب الألمانية إلى إجراء تعديل دستوري عاجل

فما هو تفسير ما حدث وما هي الدلالات والمألات؟

خيانات حزبية وتغيير دستوري عاجل

طبقا للدستور والتقاليد الديمقراطية في ألمانيا، فإن جلسة البرلمان لانتخاب المستشار الجديد هي جلسة إجرائية بروتوكولية، ذلك أن المستشار المرشح يكون دائما حسم كتلته التي ستمنحه الثقة قبل موعد الجلسة بوقت كاف من خلال أعضاء الائتلاف الحزبي الذي تم الاتفاق معه للمشاركة في الحكومة، وهذا ما حدث بين الاتحاد المسيحي المكون من حزبي المسيحي الديمقراطي وتوأمه "البافارى" المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، منذ منتصف أبريل الماضي؛ حيث وافق الجميع على برنامج وخطة الائتلاف الحكومي الذي سيحكم ألمانيا في الأربع سنوات المقبلة وتوزيع الحقائب الوزارية وعلي اختيار مرشح الاتحاد المسيحي فريدريش ميرتس  ليكون مستشار ألمانيا الجديد، وذلك بعد مفاوضات ومناورات وتنازلات  شاقة – تناولتها "بوابة الأهرام" في تقارير سابقة – وضمن ميرتس كتلة تصويتية 328 صوتا وهم نواب الائتلاف الذى تم تشكيله من أصل  630 نائبا أعضاء البرلمان مما يضمن له أغلبية بزيادة 12 صوتا؛ حيث يكفيه الحصول على 316 صوتا  (50 % +1 )، صحيح أنها أغلبية غير مريحة، ولكنها كافية لتوصيل ميرتس الي منصب مستشار ألمانيا العاشر، وبالتالي ذهب ميرتس الى جلسة البوندستاج صباح أمس وهو مستريح، ولكن المفاجأة الصادمة كانت عند اعلان نتيجة التصويت وحصول مرشح الائتلاف ميرتس على 310 أصوات فقط! وفشل في الفوز بثقة البرلمان، وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ ألمانيا، ولما كان هذا يحدث لأول مرة فقد التبس الأمر على كثير من المتابعين والمواطنين الألمان، ولكن الدستور الألماني ينظم مثل هذه الحالات حتى لا يحدث فراغ سياسي، فقد نص على أن يعاد الاقتراع مرة أخرى خلال 14 يوما من بعد يوم الاقتراع الأول، ثم مرة ثالثة خلال 14 يوما التالية ليوم الاقتراع الثاني، واذا لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة يعود الأمر لرئيس الجمهورية الذي يمكنه حل البرلمان والدعوة الي انتخابات جديدة خلال 90 يوما، ولكن لماذا لم يحصل المستشار ميرتس على أصوات أعضاء ائتلافه الحكومي، وكيف ولماذا تم عقد جلسة مسائية للبرلمان لإعادة الاقتراع في اليوم نفسه؟.

بالنسبة لإجابة السؤال الأول ليس هناك تفسير لما حدث سوى أن خيانات حزبية قد حدثت، وكما يقول المهندس جمال قارصلي البرلماني الألماني السابق من أصل سوري لـ"بوابة الأهرام": الخيانات الحزبية أو عدم الالتزام الحزبي ظاهرة موجودة في الأحزاب الألمانية وكما يطلقون عليها ظاهرة "الزميل اللدود" فقد يكون زميلك في الحزب لم يحصل على منصب معين وبالتالي فهو يريد أن يعرب عن عدم رضائه أو غضبه بالتصويت السلبي، وبالنسية لميرتس خاصة فقد عبر عدد من نواب الائتلاف عن عدم رضائهم عنه بمجرد طرح اسمه كمرشح لمنصب المستشار منذ فترة، وعبروا عن رأيهم هذا في الاقتراع السري، ويتفق هذا الرأي مع ما ذهبت اليه كل وسائل الإعلام الألمانية في تغطياتها الصباحية أول أمس الثلاثاء، والتي عنونت نشراتها بعناوين خيانة في البوندستاج.

فزاعة حزب البديل تنقذ ميرتس 

ويبقي السؤال لماذا وكيف تمت إعادة الاقتراع في مساء اليوم نفسه؟

ما إن تم إعلان فشل المستشار المرشح في الحصول على ثقة البرلمان حتى أطلقت ألس فايدل زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا – والذى وصمته رسميا هيئة الاستخبارات الألمانية الداخلية الأسبوع الماضي بأنه يميني متطرف – تصريحات ضد ميرتس والائتلاف الجديد متهمة ككليهما بفقدانهما التفويض الشعبي مطالبة بضرورة الدعوة لانتخابات مبكرة وحل البرلمان مستغلة نتائج آخر استطلاعات للرأي التي   كشفت أن حزبها هو الأقوى والأكثر شعبية بنسبة 25 % متفوقا على حزب المستشار شولتس الذى جاء في المركز الأول في انتخابات فبراير الماضي.

انزعج الجميع في البوندستاج من تصريحات فايدل سواء من أحزاب الائتلاف المرشح لتولى الحكم أو أحزاب المعارضة المتمثلة في حزبي الخضر واليسار، وخشى الجميع أيضا من أن تأجيل عقد الجلسة الثانية للبرلمان حتى ولو ليوم واحد فقد يؤدى إلى كسب مزيد من المؤيدين لدعوات ألس فايدل، ولذا كثفت الكتل النيابية داخل البرلمان لأحزاب الائتلاف وأحزاب المعارضة مشاوراتها ومناوراتها، ونجح زعماء الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في اقناع حزبي المعارضة الخضر واليسار في ضرورة إجراء تعديل دستوري عاجل يتم تمريره بأغلبية الثلثين يسمح بعقد الجلسة الثانية للبرلمان  لإجراء جولة الاقتراع الثانية في اليوم نفسه بدلا من – خلال 14 يوما من اليوم التالي المنصوص عليها في الدستور الحالي – لتفويت الفرصة علي اليمين المتطرف، وناشد القيادي البارز ينس شبان زملاءه في البرلمان بخطاب مؤثر قائلا:

إن المانيا وأوروبا كلها والعالم أيضا ينتظر كلمنكم.. لابد أن تتحملوا مسؤوليتكم التاريخية الآن، وهكذا نجحت فزاعة حزب البديل من أجل ألمانيا في تمرير التعديل الدستوري بشكل عاجل وأيضا في فوز المستشار ميرتس بالثقة في الجولة الثانية المسائية  بأغلبية 325 صوتا.

وتغيرت ما بين الصباح والمساء العناوين الرئيسية في نشرات الأخبار من فشل الي فوز، وطويت صفحة أول يوم عصيب للسيد ميرتس المستشار العاشر لجمهورية ألمانيا الاتحادية، ولكن هل هي نهاية أم بداية للأيام الصعبة للمستشار الجديد؟ فالانقسام المجتمعي والسياسي يتزايد واليمين المتطرف يتقدم، والاقتصاد يتراجع بوتيرة متسارعة، والتهديدات الخارجية مستمرة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة