المقترحات الأخيرة المعروضة على مجلس الشعب تحتاج إلى إعادة نظر؛ لأنها لا تفرق بين المراحل الزمنية لقوانين الإسكان السابقة.
أولًا: من الناحية الدستورية، فإن إلغاء عقد الإيجار بعد خمس سنوات يتنافى مع حكم المحكمة الدستورية العليا، التي أقرت بامتداد عقد الإيجار إلى الجيل الأول من الورثة، دون تحديد فترة زمنية انتقالية، وبالتالي فإن هذا البند الذي يطالب بإنهاء العقود بعد خمس سنوات يجب إعادة النظر فيه.
ثانيًا: بالنسبة للزيادات المقترحة؛ فهي لم تُفرق أو تُراعي تاريخ قوانين الإسكان والواقع المعاصر، حيث بالرجوع إلى قوانين الإسكان في مصر، نجد أن هناك مرحلتين أساسيتين: المرحلة الأولى أثناء حكم الملك فاروق والرئيس جمال عبدالناصر، فهذه المرحلة تم فيها فعلًا ظلم المالك، حيث تدخلت الدولة بتخفيض إيجارات المساكن؛ مما أخل بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين؛ حيث خفض الملك فاروق إيجار المساكن أثناء الحرب العالمية الثانية؛ لمساعدة الأجانب الفارين من الحرب في الأربعينيات، وفي عصر الزعيم عبدناصر خُفضت الإيجارات أيضًا، وكان آخر قانون بهذا عام ١٩٦٥، وبعدها أصبح الملاك يطلبون "خلو رجل"، وهو عادة كان يغطي تكلفة الشقة بالأرباح؛ لأنه كان يستشعر وقتها أنه قد يتعرض لتخفيض الإيجار، كما تكرر ذلك في عصر فاروق وناصر.
ومن هنا، بعد عام ١٩٦٥ كل الملاك أخذوا حقهم مقدمًا، وهم يعلمون أن الإيجار قابل للتخفيضات، وكل كبار السن يعلمون هذا الأمر.
وهنا عندي ثلاثة أمثلة من الواقع:
المثال الأول، لشخص دفع عشرة آلاف جنيه "خلو رجل" لشقة بسيطة في حي شعبي في النصف الثاني من الثمانينيات، وكان سعر الدولار وقتها أقل من جنيهين، فكم يساوي الآن؟! أكثر من ربع مليون جنيه مصري تقريبًا، وزميل آخر حصل على شقة في حي راقٍ، والده باع فدان أرض ليدفع ثمن "الخلو"، وثالث كانت شغلته يبني بيت ويأخذ من "الخلو" كل التكلفة والمكسب، ويبقى له الإيجار الشهري.
الخلاصة، العقد تم بالتراضي، وأخذ المالك كل ما يطلبه، وكل التكلفة والمكسب مقدمًا من خلال "خلو الرجل"، فهل هؤلاء الملاك يتم مساواتهم بالمالك في عصر فاروق وناصر؟!
ومن هنا، فإن المقترحات قد تكون مناسبة لهذه الفئة فقط من الملاك في عصر فاروق وناصر، ولذلك فإن مقترحات الزيادة غير مقبولة لكل مالك ما بعد عام ١٩٦٥، وحتى لو هناك زيادة فيجب أن تُراعي الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها العالم وليس مصر فحسب، حيث التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض المعاشات، بالإضافة إلى أن معظم المستأجرين من أصحاب المعاشات.
فما هو متوسط قيمة المعاش اليوم لدينا؟ أعرف أستاذًا جامعيًا خرج إلى المعاش قريبًا يبلغ معاشه أقل من ثلاثة آلاف جنيه شهريًا، وهذا يعني أنه في حالة تطبيق القانون فإن هناك ملايين من الشعب المصري سوف يكونون في الشارع بلا مسكن أو مأوى!! وهل هذا مناسب في هذا الوقت ووسط التضخم وارتفاع الأسعار؟! فليس كل الملاك ضحايا، وحتى لو كان ذلك، فإن الاختلافات بينهم كبيرة ويجب عدم المساواة بين الجميع.
وكل هذا يرجع لأن العقد شريعة المتعاقدين، وتدخل الدولة في الماضي هو الخطأ الوحيد الذي يجب تصحيحه، وهنا يجب أن يتذكر المالك أن الدولة كانت تدعم أسعار البناء وتوفرها بسعر رخيص مدعم، من خلال مصانع الأسمنت والحديد والصلب وخلافه، كل هذا بسعر مدعم أقل من السعر العالمي بكثير.
ومعظم كبار السن عاشوا هذه الأيام ويعرفون أنه كان هناك "خلو رجل"، وكان المالك يأخذ كل ما تكلفه في هذا "الخلو" ومكسبه أيضًا.
والمنطقي أن تكون قيمة إيجار المسكن نحو عشر الدخل، فما هو متوسط المعاشات اليوم؟ وإذا كانت هناك زيادة سنوية من الآن يجب أن تكون بنسبة زيادة المعاشات.
وهناك إيجارات للحكومة يمكن إخلاؤها فورًا، ويمكن زيادة الإيجارات التجارية، ولكن السكن الخاص خطر؛ لأنه يرتبط بشريحة كبيرة من المجتمع.
والله ولي التوفيق
* أستاذ علم الاجتماع البيئي بكلية البيئية جامعة عين شمس