الحمائية ومكافحة المناخ

6-5-2025 | 20:47

في ظل التهديدات المتزايدة التي يفرضها التغير المناخي على كوكب الأرض، كانت الأنظار تتجه نحو تعزيز التعاون الدولي لتسريع التحول نحو الطاقة النظيفة. 

لكن، على النقيض من هذا الاتجاه، جاءت السياسات التجارية الحمائية التي يتبنّاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتضيف مزيدًا من التعقيد، بل وقد تكون عائقًا مباشرًا في طريق مواجهة التحديات المناخية. 

رسوم جمركية خانقة تُعطّل التحول الأخضر 

فرض ترامب، منذ عودته إلى البيت الأبيض، حزمة من الرسوم الجمركية العقابية على عدد كبير من السلع المستوردة من الحلفاء والخصوم. هذه الرسوم لم تُستثنَ منها التقنيات النظيفة مثل: السيارات الكهربائية، ألواح الطاقة الشمسية، بطاريات الليثيوم، مكونات توربينات الرياح.
 

بلغت الرسوم في بعض الحالات، خصوصًا مع الصين، نسبًا صادمة وصلت إلى 145%، ما فتح الباب أمام مواجهة تجارية شاملة بين أكبر اقتصادين في العالم. كل ذلك جاء في إطار "الحمائية الاقتصادية" التي فضل فيها ترامب الاتفاقات الثنائية على التعاون الدولي.

 

الصين في قلب المعادلة المناخية

الصين تُعد موردًا أساسيًا للتقنيات الخضراء. وبفضل صناعاتها المتقدمة وانخفاض التكاليف، كانت تزوّد السوق الأمريكية ببطاريات ليثيوم تجاوزت قيمتها 1.9 مليار دولار حتى ديسمبر الفائت. لكن الرسوم الأمريكية العقابية تهدد بقطع هذا الشريان الحيوي.

 حتى صادرات الصين غير المباشرة –عبر مصانعها في جنوب شرق آسيا– لم تسلم، حيث تمثل تلك المصانع 80% من واردات الولايات المتحدة من الألواح الشمسية.

 اضطراب سلاسل التوريد والموارد الإستراتيجية 

الضرر لا يتوقف عند حدود السلع، بل يشمل سلاسل التوريد العالمية. فالصين قد ترد بمنع تصدير معادن حيوية مثل: الجرافيت (أساسي في البطاريات)، المعادن الأرضية النادرة (الضرورية لتوربينات الرياح).

 النتيجة؟ تراجع قدرة الولايات المتحدة على تصنيع تكنولوجيا نظيفة، وارتفاع التكاليف، وبطء في التحول للطاقة المستدامة.

 من السيارات ما قتل!

قد تكون واردات السيارات الكهربائية الصينية لأمريكا ضئيلة، لكن الاضطراب في سلاسل التوريد مع المكسيك وكندا، وارتفاع الرسوم الجمركية على الألمنيوم والصلب، أثّر على قدرة شركات السيارات الأمريكية في الدخول بقوة عالم المركبات الكهربائية. 

وهنا يجيء دور الشركات الصينية: تبتكر، تطور، وتكسب السوق العالمي خطوة بخطوة.

 التأثيرات الأوروبية

حتى الاتحاد الأوروبي سيتأثر بشكل غير مباشر، فعندما تواجه الصين قيودًا في السوق الأمريكي، ستعيد توجيه صادراتها إلى أوروبا، مما يشكّل ضغطًا كبيرًا على الصناعات المحلية هناك، خصوصًا في ظل سعي أوروبا لإحياء صناعاتها الخضراء. 

مناخ العالم في مهب الريح

الوصول لهدف خفض درجة الاحترار العالمي بنحو1.5  درجة مئوية بحلول نهاية القرن أصبح أبعد من أي وقت مضى. 

الحمائية التجارية قد تقود العالم نحو سيناريو انبعاثات أعلى بـ4 مرات من المسار الأخضر المستدام المعتمد دوليًا، حسبما كشفت دراسة حديثة، نشرها موقع carbon brief.

 التراجع المناخي الأمريكي

ترامب لم يكتف بالحرب التجارية، بل تراجع عن التزامات المناخ، إذ قلّص الدعم المحلي للتقنيات الخضراء، وانسحب من اتفاقية باريس، وأضعف الثقة الدولية في التزام أمريكا بالتحول المستدام، وبذلك، أصبح المناخ ضحية مباشرة للحمائية التجارية.

 الحمائية واللعبة الخطرة

"حماية الصناعة الوطنية" على حساب الكوكب؟ لعبة خطيرة.

التغير المناخي لا يعترف بالحدود الجغرافية، ولا يُعالج بسياسات تجارية أحادية.

العالم بحاجة إلى تنسيق، لا تصادم. إلى انفتاح وتكامل، لا انعزال وتفكك، وإلا، فإن حرارة كوكبنا سترتفع... ولكن ليس بسبب الشمس فقط، بل بفعل قرارات سياسية اقتصادية قصيرة النظر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة