موازنة ترامب لعام 2026: ضربات مالية قاسمة من واشنطن تجاه إفريقيا وبرامج المساعدات الدولية

5-5-2025 | 18:34
موازنة ترامب لعام  ضربات مالية قاسمة من واشنطن تجاه إفريقيا وبرامج المساعدات الدوليةالرئيس الأمريكى دونالد ترامب
أ ش أ

أثارت النسخة الأولية من مشروع الموازنة الامريكى، التي أعلنت عنها إدارة الرئيس الامريكى دونالد ترامب في الثاني من مايو الجاري، مخاوف واسعة في الأوساط الإفريقية والدولية، حيث تكشف الوثيقة عن تحولات جذرية في طريقة انخراط الولايات المتحدة ماليا مع العالم، بما في ذلك إفريقيا، عبر تقليصات حادة في المساعدات الخارجية وتمويل المنظمات الدولية وبرامج التنمية.

موضوعات مقترحة

وأحد أبرز مظاهر القلق تمثل في اقتراح الإدارة بإلغاء المساهمة الأمريكية في "صندوق التنمية الإفريقي"، بقيمة تبلغ 555 مليون دولار، على الرغم من تعهد واشنطن في عام 2022 بتقديم 568 مليون دولار خلال الجولة الأخيرة من تمويل الصندوق. ورغم أن العمليات قصيرة المدى للصندوق قد لا تتأثر فورًا، إلا أن الرسالة السياسية واضحة وهى أن أولويات التمويل الأمريكية تشهد تحولًا جذريًا.

والمشهد الأوسع تشاؤما هو أن تتضمن الموازنة القادمة تخفيضًا بنسبة 83.7 بالمائة في تمويل البرامج الدولية وبرامج وزارة الخارجية، بما يعادل نحو 49.1 مليار دولار مقارنة بعام 2025. وتشير التقديرات إلى أن مؤسسات مثل وزارة الخارجية، والبرامج التي تديرها وزارة الخزانة، والمنظمات الدولية، ستتلقى ضربات مالية كبيرة، ما قد يؤدي إلى تقليص أو وقف مشروعات أساسية في مجالات الصحة والتعليم والزراعة في القارة الإفريقية.

وبررت الإدارة الأمريكية، بناء على تصريحات مسئول بالبيت الابيض، هذه التقليصات بالقول إن "المساعدات التنموية الأمريكية تم اختطافها من قبل أجندات راديكالية ويسارية"، على حد وصفها، مثل قضايا تغير المناخ، والتنوع، والمساواة، وحقوق مجتمع الميم.

وتظهر الموازنة، المنتظر أن يتم توجيهها رسميا الى الكونجرس الامريكى يوم الجمعة المقبل، توجهاً لربط المساعدات الخارجية بالمصالح القومية الأمريكية، مع تركيز خاص على دافعي الضرائب والأمن القومي.

ومن بين المؤسسات الأكثر تضررًا، تلك التي تعد شريكة للولايات المتحدة منذ عقود. فالموازنة تلغي التمويل المخصص لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي تنتشر عدة منها في إفريقيا. كما تشمل الخطة تعليق أو إلغاء مساهمات واشنطن في منظمات كبرى مثل الأمم المتحدة، واليونسكو، ومنظمة الصحة العالمية، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد). وقد أشارت منظمة الصحة العالمية بالفعل إلى احتمال تقليص 40% من موظفيها بسبب هذه التخفيضات المتوقعة.

وقد تكون الآثار الإنسانية لهذه التخفيضات أيضًا بالغة الخطورة، إذ تخفض الموازنة 3.2 مليار دولار من المساعدات الطارئة المخصصة للاستجابة للكوارث والهجرة وبرامج اللاجئين، مع دمج هذه الأموال في حساب جديد للمساعدات الإنسانية الدولية، يصرف فقط عندما تخدم المساعدات أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.

كما لم تسلم قطاعات الزراعة والبيئة الإفريقية من التقليصات، إذ يتوقع تقليص تمويل برنامج "الغذاء من أجل السلام"، إلى جانب خفض المساهمات الأمريكية في "مرفق البيئة العالمي" وصناديق الاستثمار المناخي، وهي أدوات أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في القارة.

ومع ذلك، لم تخل الموازنة من بعض المبادرات الجديدة. حيث تقدم الخطة ما يسمى بـ"صندوق الفرص أولاً لأمريكا" (A1OF)، بقيمة 2.9 مليار دولار، للاستثمار في مناطق تعتبرها الإدارة ذات أهمية إستراتيجية للمصالح الأمريكية، لا سيما في مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد. ورغم أن إفريقيا لم تذكر بالاسم، إلا أن تأثير هذه السياسة سيمتد إليها دون شك.

كما تقترح الموازنة تعزيز ميزانية مؤسسة تمويل التنمية الأمريكية (DFC) بمقدار 2.8 مليار دولار. وتشارك المؤسسة بالفعل في أكثر من 300 مشروع في إفريقيا بقيمة تتجاوز 13 مليار دولار، مما يجعلها مرشحة لتكون الأداة الرئيسية للولايات المتحدة في تمويل مشاريع التنمية في القارة، خصوصًا في قطاعات استراتيجية مثل التعدين.

وفي خطوة ذات دلالة، تعهدت الإدارة الأمريكية بتقديم 3.2 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات لصالح "الجمعية الدولية للتنمية" التابعة للبنك الدولي، والمخصصة للدول منخفضة الدخل، رغم أن هذا الرقم يقل عن تعهد إدارة بايدن البالغ 4 مليارات دولار. ومع ذلك، فإن هذا الدعم يظل مصدرًا مهمًا لتمويل مشاريع التنمية في إفريقيا جنوب الصحراء، التي تعد أكبر مستفيد من الجمعية.

ورغم التخفيضات المقترحة في بعض برامج الصحة العالمية، فإن الإدارة أكدت التزامها المستمر بـ"خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز" (PEPFAR)، مع استمرار التمويل للدول المستفيدة، وهو ما يشير إلى أن واشنطن لا تتخلى كليًا عن التزاماتها الصحية، خاصة تلك التي ترتبط بالأمن الصحي العالمي والأمريكي.

وتبرز في هذا السياق إحدى أكثر النقاط إثارة للجدل، إذ إن الموازنة الجديدة لا تتضمن تمويلاً لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وغيرها من البعثات التي وصفتها الوثيقة بأنها "عديمة الجدوى"، مرجعة ذلك إلى الإخفاقات الأخيرة وارتفاع التكاليف التي تتحملها الولايات المتحدة بشكل يفوق نصيبها العادل. كما تتهم الوثيقة بعض عناصر قوات حفظ السلام، خاصة في جمهورية إفريقيا الوسطى، بالضلوع في أنشطة غير قانونية مثل تهريب الذهب والماس والمخدرات، إلى جانب مزاعم بتهريب المخدرات في مناطق أخرى من العالم.

ويأتي هذا التوجه ضمن رؤية أوسع تتماشى مع الأمر التنفيذي للرئيس الامريكى رقم 14169 الموقع فى 20 يناير الماضى تحت عنوان "إعادة تقييم وإعادة توجيه المساعدات الخارجية الأمريكية"، والذي بموجبه تقترح الموازنة إلغاء المساهمات الأمريكية في صندوق التنمية الإفريقي، لعدم توافقه مع أولويات الإدارة الحالية.

كما تقترح وثيقة الموازنة، المكونة من 46 صفحة، تقليص حجم الحكومة الفيدرالية من خلال إلغاء أو وقف التمويل المخصص لعدد من الوكالات الصغيرة ، في إطار جهود تهدف إلى تعزيز المساءلة، والحد من الهدر، والتخلص من الكيانات الحكومية غير الضرورية. وتشمل هذه الوكالات: لجنة إحياء الذكرى الـ400 لتاريخ الأمريكيين من أصول إفريقية، ومؤسسة الخدمة الوطنية والمجتمعية (أميريكوربس) القائمة عالى التطوعى، ومؤسسة البث العام، وهيئة الوساطة الفيدرالية، ومعهد المتاحف وخدمات المكتبات.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة