أنا وأنت والمساحة الآمنة

5-5-2025 | 16:42

ليس عيبًا أن تتراجع إن وجدت في تراجعك ما يضمن لك تحقيق سلام نفسك الداخلي، ليس خطئًا أن تستمع للعديد من وجهات النظر فهى التي ستجعلك ترى الأمر كله بأكثر من عين، كثيرًا ما تضامنت في الرأي مع غيري في الحكم على موضوع ما، أقمت محكمته بداخلي، جمعت الدلائل، فقررت الحكم عليه، ثم فوجئت بأن محكمتي ليست عادلة، فهى مضللة، وبأنها سوف تدفع بي إلى الدخول في معارك الخلاف، ستزج بي عنوة داخل ساحات الجدل العقيمة التي أمقتها.

ربما كان من الأفضل لك أن تبتعد، أن تترك موقعك على الفور، بعد أن رأيت فيه علامات تشتتك تتشابك وتعكر صفوك، فأغلب مشكلاتك النفسية المرهقة تأتي بفعل قرار غير مضمون العاقبة، ترتسم على أطلاله أوهام صنعتها أنت بيدك لا بيد غيرك، مكنت الوجود لها، أقمتها في مستقرك، مؤمنًا بجدواها، مما دفعك لسرعة كتابة أحرفها، نقشتها على واجهة قلبك وعقلك.

عودتك التي كنت بالأمس تخشاها ستمثل لك اليوم تقدمًا، ستوجهك بكل قوة نحو الأمام، لا تخف من مغادرة ستبقيك بمأمن، تحفظ لك مكانتك التي تستحقها، تحفظك وتعزز قدرك، تقيمك في ساحة الأمل المشرقة، في مساحة تليق بك وبمكنون نفسك، ولتعلم بأن الظلم كله ينحصر في تحريك مشاعرك لوجهة ما لا تشعر بها، لا تتفاعل بها، تتركها ساكنًا دون أن تتحرك للحد بينها وبين دفعها لك نحو مجهول لا تعرف عنه شيئًا.

مثلك أنا، أجد ثورات تضج بها باحات قلب وعقل، أحاديث فارغة لا جدوى منها، كجدال مع أناس فارغين من الداخل تمامًا، ترتفع وتنخفض وتيرة الخلاف معهم، فيصبحون أشد ضررًا وفتكًا بنا من تراجعنا الذي نخشاه حين نفكر في مغادرتهم.

كفانا إرهاقًا لأنفسنا، كفانا تعاطفًا مع من لا يشبهون منا سوى صورتنا التي صورنا الله عليها، حذارٍ من السير عبر طريق مظلم لا يخبئ لنا بين جوانبه إلا المزيد من الصراعات، يلقي أمامنا حصاده من مشكلات تلتف حول رقابنا، تنشر أذرعتها تحد من حركتنا، تمهد لصيدها طريقًا يمكنها من الإيقاع بنا، تباعد بيننا وبين الأمان، كمثل حفرة تم إعدادها بكل مكر كي تقع الفرائس في شركها.

التردد هو الآفة التي تعيق خطوات رسمناها، الخوف هو المحرك الذي لابد له أن يتعطل وللأبد، الحيرة هى التي تتمرد علينا عندما لا تمتثل لإشارات التوقف التي نشير بها عليها، لكنها حتمًا ستخضع لها يومًا، تنفذ قوانينها، تتبع إشاراتها، تعتذر عما بدر منها وعما فعلته بنا.

خلقنا الله وفطرنا على حب التميز وهذا ما خلق لنا فرصًا للمنافسة، لكن الأقدار قد تأبى ذلك حين تجمعنا مع من يزعجه هذا، من يريدنا أن نوقف مسيرة مشيناها بكل جد واجتهاد، لنصنع أنفسنا كما ارتأينا لها، لا كما يريدها الآخرون عليها، فلننظر سويًا نحو بوابات الأمل، نحو ذاك الحلم الذي غرسناه بأيدينا، طوقناه برعايتنا، سقيناه من عذب مائنا، عشنا به ومعه فوق جزيرتنا وحدنا، نسعد وإن كان الاغتراب هو الثمن، نبتهج وإن كان الابتعاد عنهم هو سبيلنا الأوحد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة