حرب تفتقد نقطة النهاية!

5-5-2025 | 18:23

انفلتت الحرب السودانية من عقال التحكم السياسي والعقلى، إلى حرب تفتقد العقل والإرادة ونقطة النهاية، وهي تدخل عامها الثالث بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ اندلاعها المشئوم في الخامس عشر أبريل 2023، ولا تزال نيرانها مشتعلة بحرائقها الهائلة التي فعليا محت ما كان قائمًا من دولة وإنسان وبيئة. 

فإذا كانت للحرب أكثر من ساحة، فإن الحرب الجارية في السودان الشقيق شغلت كل الساحات والمنصات الدولية بفظائعها، دون أن يتبع ذلك فعل ملموس لوقفها بما يوازي حجم تأثيراتها التي تتقيأ يوميًا سموم الكراهية والتحريض القبلي والجهوي، وتوزع نتانتها على الجميع ما بين بلاد الجوار، أو منظمات تحت مظلتها!
 
جمهورية مصر العربية أعربت في بيان لوزارة خارجيتها عن استنكارها الشديد للهجمات التي تعرضت لها البنية الأساسية والمرافق الحيوية في مدينتي بورتسودان وكسلا بأيدي قوات الدعم السريع في الساعات الأولى من صباح أمس "الأحد"، ونبهت مصر إلى أهمية حماية مقدرات الشعب السوداني، ودعت بوضوح إلى الامتناع عن استهداف المنشآت المدنية والبنية التحتية الحيوية، لما لذلك من تبعات خطيرة على مستقبل السودان ووحدة أراضيه واستقراره، ولما لذلك من انعكاس مباشر على الأوضاع الإنسانية والمعيشية للسكان المحليين.

منظمة المجلس النرويجي للاجئين قالت في أحدث تقاريرها: إن السودانيين يضطرون لتناول أوراق الأشجار والفحم للبقاء على قيد الحياة بعد فرارهم من هجوم قوات الدعم السريع على مخيم للنازحين قرب مدينة الفاشر.
 
إن الأزمة الحقيقية ليست في الأشخاص أو التنظيمات، بل في العقل السياسي العقيم، الذي تعامل مع الحكم كتوازنات ظرفية لا كفرصة لاجتثاث البنى العميقة للدولة، وتفكيك شبكات الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية.
 
الهيئة المعنية بالتنمية في إفريقيا "إيفاد" بعد اندلاع الحرب والمكونة من 6 نقاط تشمل: إدخال قوات إفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للفصل بين القوتين المتحاربتين، وتجميع قوات الجيش والدعم السريع في مراكز خارج المدن، وفتح مسارات إنسانية عبر لجنة أممية تساعدها لجنة خبراء وطنية غير حكومية، والبدء في عملية سياسية تنطلق من معطيات الصيغة التي تم التوصل إليها قبل اندلاع الحرب، والتي كانت تستند إلى الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر 2022.

ثروات السودان ظاهرًا وباطنًا وأراضيه الخصبة الممتدة الواسعة ونيله المعطاء، تغري التدخلات الخارجية حال تمزق جبهته الداخلية وضعف مؤسسات الدولة، ذلك ما آل إليه الحال، بعد تغلغل الخارج باستخباراته وأيديه مخترقًا مؤسسات الدولة مخططًا ومنفذًا لإسقاطها وتثبيت البديل. 

فقد ظلوا يمارسون سياسات ممنهجة لتدمير مؤسسات الدولة، وزلزلة أركانها، لاسيما أهم مؤسساتها، وهي المسئولة عن حماية الوطن والمواطن وأمنه، فجعلوها لا أكثر من مؤسسة محتكرة من قبلهم؛ لضمان بقاء مصالحهم وحمايتهم دون سواهم.

إن السودان اعتاد على الانقلابات حتى إنه شهد (5) فترات انتقالية في أقل من 30عامًا، وأنه في كل مرة كان السودانيون يتفقون على ضرورة تنحية النظام، لكنهم يختلفون بعد ذلك في أولويات الأجندة الوطنية الواجب اتباعها ليتأسس على هداها النظام السياسي الجديد في البلاد، والتحول الديمقراطي الذي يتعثر دومًا ويصعب التنبؤ بنتائج إيجابية، حيث لم تظهر طيلة تلك الفترات الشخصية الوطنية القومية الجامعة ذات "الكاريزما" التي يلتف حولها الجميع وتستعلي بخطابها ورؤيتها على الخلافات السياسية والتعصبات الجهوية.
 
ولعل يحضرنا في هذا المشهد قول المناضل والمفكر الفرنسى "فرانز فانون": "كل أمة تخونها نخبها، تتحول إلى غنيمة للآخرين"، فالتمزيق لا يكون بالسلاح وحده، بل بإزكاء الخلافات، حتى يغدو المستبد هو الحاكم، والمحتل هو الضامن". 

“السلام لا يُفرض، بل يُصنع.. وإذا لم يصنعه السودانيون، فلن يأتيهم من الخارج”… بهذه الكلمات اختار رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان، أن ينهي أول حوار موسع بين المتعاركين منذ توليه المهمة الأممية في السودان،وكأنه يردد قول الشاعر امرؤ القيس "ألا يا أيها الليل الطويل ألا انجلي".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة