الإدمان الرقمي!

5-5-2025 | 14:15

أصبح الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الرقمية ـ من هواتف ذكية، وحواسيب، وألعاب إلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي ـ ظاهرة لا يمكن السيطرة عليها أو الحد من انتشارها، إلى درجة دفعت الخبراء إلى تصنيفها ضمن أنواع الإدمان السلوكي.
 
يُعرّف هذا "الإدمان الرقمي" بأنه الانشغال القهري باستخدام الأجهزة الرقمية؛ بحيث يؤثر سلبًا على جوانب الحياة اليومية، سواء الاجتماعية، أو النفسية، أو الصحية.

ولأن الأمر جد خطير، رصدت دراسات عديدة تلك المخاطر وحذرت من تداعياتها، منها دراسة نُشرت في مجلة "الإدمان السلوكي" عام 2017 حذرت من أن الإدمان على الإنترنت مرتبط بزيادة مستويات القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية. 

والأخطر من ذلك ما رصده الباحثون في جامعة هارفارد من أن الدماغ يتفاعل مع "التنبيهات الرقمية" بنفس الطريقة التي يتفاعل بها مع المواد الكيميائية التي يتعاطاها المدمنون، مثل النيكوتين والكوكايين، ما يفسر الطبيعة الإدمانية لاستخدام الهواتف والتطبيقات!!

ومن المخاطر العديدة التى رصدتها الدراسات العلمية لهذا الإدمان الرقمي، الانعزال الاجتماعي، حيث يؤدي الانغماس في العالم الرقمي إلى تراجع التفاعل الواقعي مع الأصدقاء والعائلة، وأيضًا القلق والاكتئاب، فاستخدام وسائل التواصل بكثرة يُسبب شعورًا بالمقارنة السلبية وتدني احترام الذات، خاصة لدى المراهقين، فضلا عن اضطرابات النوم؛ فالضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يعوق إنتاج هرمون الميلاتونين، مما يسبب الأرق واضطراب النوم.

ومن أكثر المخاطر المؤثرة للإدمان الرقمي تراجع الأداء الأكاديمي والوظيفي، فالوقت الطويل المهدور في التصفح أو الألعاب يؤثر على التركيز والإنجاز، فضلا عن المشكلات الجسدية، مثل آلام الرقبة والظهر، ومتلازمة "إبهام الهاتف"، بسبب كثرة اعتماد المُستخدم على إصبعي الإبهام في كلتا اليدين عند الكتابة، ما ينتج عنه حركة غير طبيعية لعظام إصبع الإبهام، يتسبب في نهاية المطاف، وفقًا لما يقوله أطباء مستشفى "مايوكلينك" في التهاب مفاصل الإصبع، ويجعلها فضفاضة ومتراخية، تتحرك بشكلٍ مختلفٍ عن الشكل الطبيعي.

وهناك متلازمة "إجهاد العين الرقمي"، وتَزيد خطورة الإصابة بها لدى من ينظرون إلى الشاشات، سواء  الكمبيوتر أوالهواتف الذكية أوأجهزة التليفزيون لمدة ساعتين أو أكثر على التوالي كل يوم، حيث تصبح الخلايا العصبية المسئولة عن معالجة المعلومات المرئية مُرهقة. 

وعلاج الإدمان الرقمي لا يقتصر على الامتناع المؤقت عن الأجهزة، بل يحتاج إلى تدخلات سلوكية وتوجيهية، وتوصي الجمعية الأمريكية لعلم النفس بعدة خطوات فعالة، منها العلاج السلوكي المعرفي، والذى أثبت فعاليته في مساعدة الأفراد على تغيير أفكارهم وسلوكياتهم تجاه التكنولوجيا، خاصة في حالات الإدمان على الإنترنت أو الألعاب، وتحديد أوقات محددة لاستخدام الهاتف أو الإنترنت يوميًا، وتخصيص أوقاتٍ للراحة والتفاعل الواقعي، ويساعد على ذلك استخدام تطبيقات المراقبة الذاتية التي تساعد المستخدم على تتبع وقت الشاشة وتقليل الاستخدام.

وحبذا لو تم تفعيل "الصيام الرقمي"، بالامتناع عن استخدام الأجهزة ليوم كامل أسبوعيًا، أو لعدد معين من الساعات يوميًا، فضلا عن تعزيز البدائل الواقعية مثل ممارسة الرياضة، القراءة، التواصل المباشر مع الأصدقاء، والهوايات اليدوية، ومن المهم إشراك الأسرة في الدعم النفسي ومتابعة التقدم، خاصة لدى الأطفال والمراهقين.

لا جدال أن الإدمان الرقمي أصبح أحد التحديات المعاصرة التي تهدد التوازن النفسي والاجتماعي للفرد، ورغم فوائده التقنية التى صارت من متطلبات الحياة، إلا أن الاستخدام غير الواعي قد يقود إلى آثار ضارة تشبه في حدّتها الإدمانات التقليدية، كما المخدرات وتوابعها.

لذا، فلا مفر من التحلى بقوة الإرادة بتعزيز الوعي السلوكي، وتعديل العادات الرقمية لتحقيق حياة أكثر توازنًا وصحة، حتى لايجرفها تيار الإدمان الرقمي، وحينها يُصبح العلاج في حاجة إلى "مستعمرات علاج إدمان رقمي"، تشبه كثيرًا مراكز ومستعمرات علاج إدمان المخدرات..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة