الطفل محمود عجور.. بطل من غزة

5-5-2025 | 13:46

البطولة "لا" يحتكرها الكبار ولا الرجال فقط؛ فهي تهدي "عطورها" لكل من يسعى بجدية ومثابرة للفوز بها من الجنسين ومن كل الأعمار..

محمود عجور طفل من غزة "استحق" بجدارة البطولة وشاركته أمه في ذلك..

فقد محمود يديه في قصف "غادر" من الصهاينة وأثبت أن غزة ما زالت تقدم للعالم الكثير الذي يؤكد أن البطولة ليست في ميادين القتال فقط؛ بل أيضًا في التصدي للظروف "القاسية" التي تفرض علينا وأن بالإمكان "رفض" الانحناء أمامها واختيار الصمود "ورفع الرأس" وفعل أفضل ما يمكننا وهو ما فعله الطفل البطل -عن حق- محمود عجور..

يحكي محمود ما حدث له: كنا في الدار وطلب منا الصهاينة إخلاء البيت، وكنا آخر من غادر وكنت أقول لأمي: هيا، ثم أفقت وأنا ملقى على الأرض ولم أعرف ماذا حدث، وأول ما رأتني أمي، صارت تبكي لم تتحمل وأختي أيضًا.

قالت والدته: الصاروخ كان قويًا جدًا، بتر يد محمود في نفس اللحظة واليد الأخرى ظلت وكنت أعرف أنهم سيبترونها؛ فالإصابة كانت شديدة، وحاولت إسعافه وإنقاذه وجمعت يده الشمال بيدي حتى أتمكن من حمله، ولما ذهبنا للمستشفى في الطوارئ انتظرنا طويلًا لكثرة أعداد المصابين التي تفوق أي تخيل، وكانت الإصابات صعبة جدًا وكانت الناس تقول الشهادتين وهي تنتظر دورها في دخول العمليات، ودخل محمود لإجراء العملية بعد خمس ساعات من إصابته..

يقول محمود: لما جاء وقت العملية أجروها لي بدون أن أنام!! وكنت مستيقظًا؛ وامتلأت الحجرة بالصراخ فلم أستطع تحمل الوجع وكنت خائفًا بشكل غير طبيعي وعرفت أن يدي مبتورة ولكن الألم كان شديدًا جدًا ويفوق احتمالي.

تضيف الأم: بعد خروجه من حجرة العمليات بعد ساعتين كان وضعه صعبًا جدًا؛ لا يدرك ولا يستوعب ولا يفهم أنه فقد يديه الاثنتين.

قال محمود: أصعب شيء واجهته أنني كنت لا أقدر آكل ولا أستطيع الحركة من المكان، ومحبوس في المستشفى كالسجن ولا أستطيع المشي ولو خطوة واحدة؛ بسبب جرح مفتوح في قدمي، ولا أتمكن من مساعدة نفسي وكانت أمي تساعدني في كل شيء.

تقول أمه: في أول 5 أيام كان يرفض الأكل والشرب، ولا يستوعب شيئًا ولا يتكلم كان في حالة صدمة، وعندما أفاق أول شيء قاله وهو يبكي بكاءً شديدًا: كيف يمكنني احتضانك؟ وكيف أصلي؟ وكيف سآكل وأشرب وأكتب وأتعلم؟

نحن كنا مثله غير مستوعبين وفي حالة صدمة وفي حزن شديد أنا ووالده، ومع الوقت صرنا نحكي معه ونشغله ونقول له: أنت بطل، أنت شجاع، أنت جدع، أنت "قدها" أنت رب العالمين اختار لك النجاح في اجتياز محنتك.

يقول محمود: قامت صحفية بتصويري لكي تنشر عما يحدث في غزة، ولم أكن أتوقع بهذه السهولة رؤية الكثيرين لها.

هي صورة حزينة؛ ومن يراها تدمع عيناه، ووافقت كي يرى الناس معاناة أهل غزة، ولكن لا يوجد إنترنت في غزة، ولكن عندما يتوافر ويرون الصورة فعندما يصاب أشخاص جدد "سيعتادون" على ذلك، ويرون ولدًا "صابرًا" لا يبكي أو يقول لماذا يداي هكذا، أو رجلي؟ لماذا بترت؟
بل يصبر ويقول الحمد لله، وليقولوا هم أيضًا: لازم نصبر مثله حتى يأتي الخير.

فازت صورة محمود بصورة العام في مسابقة تصوير عالمية التابعة لمنظمة "وورلد برس فوتو" التي شارك بها مصورون من 141 دولة.
بثبات ورضا يقول محمود: أحلم أن تتوقف الحرب وتعود غزة كما كانت ويقوم أهلها بإعمارها وتتحرر غزة، وأمنية حياتي أن أصير صحفيًا؛ فعندما تحدث حرب كهذه أحكي عنها للناس.

بصوت ينبض بالتسليم تقول والدته: كنا نبكي مثله في أول الأمر ونحاول تخفيف الألم الجسدي عنه وليس النفسي فقط، وفوجئت بعد 11 يومًا من الإصابة بأنه يحاول استخدام الهاتف المحمول برجليه.

يقول محمود: أنا قررت أن أصبر ثم تعودت على رجلي، "ولازم أكمل حياتي بنفسية عالية"، ولا أستمر في حياتي هكذا أو تكون نفسيتي سيئة جدًا، ولا ينفع ذلك لابد أن أكون صابرًا ويجب أن تكون نفسيتي جيدة وأكمل حياتي ولا أظل جالسًا، وأتحمل كل ما صار وأقول الحمد لله، وأصبحت أعتاد استخدام رجلي.

وتعلم محمود الكتابة بأصابع قدمه وظهر في فيديو وهو يفتح الباب ويعطي أمه كيسًا بفمه ويلعب كرة قدم.

"مخفتش"؛ كانت أول كلمة قالها طفل غزاوي بعد سؤاله عن كيف خرج من تحت الأنقاض، وأضاف: كنت أحفر في الردم طوال الليل حتى خرجت، وهو ما تفعله فلسطين منذ أعوام طالت..

وظهرت طفلة من غزة في فيديو وهي تهتف بفرح غامر باسم "المكرونة" عندما فازت بطبق منها بعد طول غياب، وأثبتت أن أطفال غزة الذين فقد عشرات الآلاف منهم آبائهم وأمهاتهم والآلاف بترت أطرافهم، والذين يعانون من أسوأ كارثة تغذية ومن أمراض كثيرة وتعرضوا "لأهوال" الإبادة وتكرار النزوح وسط القصف الصهيوني الهمجي؛ هؤلاء الأطفال "يحبون" الحياة "وتحبهم" أيضًا، وستحتضنهم بأجمل الخير في يوم ما..

رأينا أطفالًا من أعمار مختلفة حرصوا على التقاط صور أمام بيوتهم المهدمة وفي أيديهم رسومات لبيوت يلعب أمامها أطفال سعداء وأعينهم "تفيض" بالأمل والتحدي واليقين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة