حكايات من الواقع: أعيش على قيد الحياة بقلب ميت.. !

4-5-2025 | 18:57
حكايات من الواقع أعيش على قيد الحياة بقلب ميت أرشيفية
خالد حسن النقيب

شئ من عذاب يتملكني لا خلاص منه إلا أن أغادر الدنيا ولكن الموت يخاصمنى و يترك للحياة الفرصة فى أن تزهق روحى ألف مرة بلا موت .. إحساس خانق يجتاحنى كلما تذكرت أنى كنت سببا رئيسيا فى موت أخى الوحيد .

موضوعات مقترحة

أجل أنا من قتل أخاه و أزهق روحه ليس بطعنة سكين أو طلقة غادرة و لكننى قتلته حبا و خوفا .. قد تستغرب كلامى و لكنها الحقيقة المجردة فأنا كنت أحب أخى هذا إلى حد الجنون فلم يكن لى غيره و أمى فى هذه الدنيا .

و لأنى الأخ الأكبر كنت له الأب و الأخ و قمت على تربيته حتى تخرج فى كلية الهندسة و لم يكن يشغلنى أن تأخذنى الدنيا من طموحى كأى شاب و أحترق فى آتون العمل منذ نعومة أظافرى .

كان همى الأول أن لا تحتاج أمى لأحد و كبرت و كبرت همومى أنا الجاهل الذى يجيد القراءة و الكتابة بالكاد .. يدى خشنة مشققة غليظة من أثر الرمل و الأسمنت فى عملى بالمعمار و لم أكن أستشعر نقصا يوما ما حتى رأيت ذلك فى عين أخى الذى ما أن حصل على شهادته الجامعية حتى قرر أن ينفصل عنى و أمه متمردا على حياته معنا منسلخا من بيئته لحياة فضلها لنفسه بعيدا عنا .

كانت هذه إرادته و لم أعارضه تركته لنفسه و رأيت أن رسالتى معه قد انتهت و قلت فى نفسى أنتبه لحالى و بالفعل تزوجت و عاشت معى أمى و رزقت بثلاثة أبناء كانوا العوض لى عن شقيقى و شرعت فى تعليمهم و كم تمنيت أن أرى فيهم نفسى التى كنت أحلم بها و ليست الضائعة فى ثنايا الحياة و دروبها وكان ربى كريما رؤوفا بحالى  فقد كانوا ثلاثتهم متفوقين فى دراستهم و تسير الحياة بهم على وتيرتها الحسنة .

لم يكن ينغص حياتى شىء غير غياب أخى الذى علمت أنه غادر البلاد و مضى به زمن طويل فى الغربة حتى أن أمه ماتت و عرفت أنه علم بموتها من معارف له من نفس بلدتنا يعملون معه و لكنه لم يكحل عينيها برؤيته قبل أن ترحل عن الدنيا .

خمس و عشرون عاما مضت على افتراقنا قرت عينى خلاها بأولادى و زوجت أكبرهم بعد تخرجه فى نفس البيت و قارب شقيقاه على استكمال تعليمهم .

 فوجئت يوما بشقيقى الغائب يطرق بابى .. فرحت به كشمس أشرقت بعد طول ليل مره السهاد .. أقبلت عليه .. احتضنته .. قدمت له أولادى يسعد بهم .. ملأتنى الفرحة به حتى ثملت بها وفى ذروة سكرتى و نشوة اللقيا صدمنى جموده كصخر خلت منه الأحاسيس منذ زمن .

ما أتانى اليوم زائرا نادما على طول غيابه و عقوقه لى أنا من قام على تربيته .. أتى يبحث عن إرثه من أمه و أبيه فى البيت الذى يسترنى و أولادى .

قلت له هذا حقك و لكنك عدت من الخارج ميسورا و أنا لا أملك ما أشترى به سكنا آخر  حتى نصيبى فى الإرث لن يكفى ذلك .. و اشتعل الخلاف بيننا و تعاركنا حتى أننى طردته من بيتى و قلت له أن لا يرينى وجهه ثانية .

كنت غاضبا منه و لم أطمع فى حقه قلت فى نفسى لابد و أن أتصرف و أعطيه إرثه و لم يدر بخلدى أنه خرج معميا فى ثورة غضبه فعبر الطريق مسرعا فصدمته سيارة مندفعة ليلقى حتفه على الفور .

إحساس خانق يتملكنى كأنه الموت يحاصرنى لعلى ألحق بأخى أستعطفه فى أن يسامحنى .

أنا يا سيدى لم اطمع فى حق أخى الوحيد و لكن صدمتنى عودته بعد فراق بحثا عن المال فقط .. كنت أحلم باللحظة التى يرتمى فيها فى حضنى أنا أباه و لم أكن أدر أنى سوف آخذه فى حضنى غارقا فى دمائه .

أنا الآن أعيش حببيس غرفتى أستعزب النهاية جلدا و ندما و حسرة حتى تأتى، أصب على قلبى القاسى قطر العزاب المر من هول ما فعلت فى أخى .

إن لم يرحمنى ربى من العزاب الذى أعيش فيه أكون عبدا ضائعا إلى الأبد فهل من خلاص.

م . ع

تسرف على نفسك فوق طاقتها وتحترق بإحساس لم يكن لك يد فيه.

يا أخى إن الله سبحانه و تعالى لا يكلف الإنسان إلا ما فى وسعه ولا يكلفه ما لا يقدر عليه وما لا يطيق و لك أن تعى أن ما أنت فيه محنة و إن كانت عصيبة إلا أنها مقياس لمدى قدرتك على الصبر و مدى تعمق الإيمان فى قلبك .

لابد فى البداية أن تحسم أمر موت أخيك مع نفسك بأنه القدر الذى يترقب كل منا فى موعد محدد لا يعلمه غير الله عز و جل و قدر أخيك بالتأكيد لا يد لك فيه فما مات لطردك إياه و لا لمنعك حقه فى إرثه و إنما مات بقدره المحتوم .

و على قدر إيمانك بالله و قدره تكون قناعتك بهذا الأمر و دعنى أقول أن سوء الظن ليس من الفطنة فى شىء فأنت تسىء الظن بنفسك إلى أقصى مدى و تحملها ما لم تفعل أو تطيق دون وجه حق و صدق الله تعالى عندما قال فى محكم آياته : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾

 

و فيما يخص حق أخيك لم تذكر لى فى رسالتك إن كان له ولد أم لا فإن كان له ولد فأعطه له و إن لم يكن له فأخرج على روحه من حقه لأعمال الخير قد يخفف ذلك من آثامه و يعلى من حسناته .

ترفق بنفسك يا أخى فما فعلته من بر أخيك و رعايتك له أكبر بكثير من لحظة غضب عابرة تصادفت مع قدر أخيك و موته و استغفر الله لذنبك إن الله غفور رحيم .

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: