السياحة: فرصة مصر الذهبية لمضاعفة الدخل القومي

3-5-2025 | 14:58

في عام ٢٠٢٤، حققت مصر دخلاً سياحياً قدره ١٤ مليار دولار. وفي المقابل، بلغت عائدات إسبانيا من السياحة ١٤٠ مليار دولار — عشرة أضعاف ما تحققه مصر. 

هذا الفارق الهائل ليس مجرد رقم؛ إنه دعوة إلى التوقف والتفكير. فلو تمكنّا من مضاعفة دخلنا السياحي ليوازي ما تحققه دول مثل إسبانيا، فإننا فعلياً نضاعف دخلنا القومي، ونخلق فرصاً هائلة لانتشال عشرات الملايين من دائرة الفقر، وتحقيق قفزة اقتصادية تاريخية.

قد يبدو هذا الهدف طموحاً، لكنه ليس مستحيلاً. نملك كل المقومات: موقع استثنائي يربط بين ثلاث قارات، آثار فريدة تعود إلى حضارات ضاربة في القدم، طقس معتدل على مدار العام، ومكانة دينية وتاريخية نادرة. لكن السؤال ليس ماذا نملك، بل كيف نديره و نُحسن استخدامه؟

نقطة البداية: تجربة السائح من اللحظة الأولى

البداية من لحظة تفكير السائح في زيارة مصر. هل إجراءات الحصول على التأشيرة سهلة وسريعة؟ هل الموقع الإلكتروني متعدد اللغات ومشجع؟ ثم يأتي دور المطار: هل الاستقبال منظم؟ هل هناك من يبتسم للسائح ويوجهه بلغة يفهمها؟

ينبغي أن تكون تجربة السائح من الألف إلى الياء سلسة وودية، تشجعه على البقاء أطول، والعودة لاحقاً، بل وتوصية أصدقائه بها.

التقاليد ليست مبرراً للمضايقة

علينا كمجتمع أن نتعامل مع السائح باحترام واحتراف. يجب أن نفهم أن له ثقافته وخصوصيته، فلا يُضايق في ملبسه أو سلوكه العفوي. من غير المقبول أن يلاحقه البعض بطلب “بقشيش”، أو يُستغل في أسعار مبالغ فيها. السياحة صناعة، والسائح ضيف، واحترامه مسئولية وطنية.

الجودة لا تَقبل التفاوض

ينبغي أن نطمح لمستوى عالمي في الخدمات، خصوصاً في الفنادق والمطاعم والنقل. لماذا لا تكون مطاعم القاهرة والأقصر والغردقة ضمن القوائم العالمية لأفضل تجارب الطعام؟ لماذا لا يتوافر في كل موقع أثري مرشدون ناطقون بلغات متعددة، مع تطبيق ذكي يشرح التاريخ ويعرض مقاطع صوتية تفاعلية؟

السلامة والانضباط: لا مجال للأخطاء القاتلة
من أكبر التحديات التي تواجه السياحة في مصر -والتي قد تُبطل كل الجهود السابقة- هي الحوادث الناتجة عن الإهمال. السياحة صناعة تعتمد على الثقة، والثقة تُبنى ببطء وقد تنهار في لحظة.

في الشهور الأخيرة، وقعت حوادث مؤسفة: غرق غواصة سياحية، وحادث تصادم في أحد المطارات، ومركب غرقت. قد يرى البعض أن هذه حوادث فردية، لكنها بالنسبة للسائح خبر سيئ يُنقل بسرعة، ويشكّل صورة سلبية يصعب محوها.

ينبغي أن يكون هناك انضباط صارم، ورقابة فعالة، ومحاسبة فورية لأي تقصير يمس سلامة الزائر. فمستوى الأمان وجودة التنظيم ليست كماليات، بل شروط أساسية لاجتذاب السائح وطمأنته.

الاحترام المتبادل: بين الخصوصية والثقافة من التجارب التي قد تُنفر السائح وتترك أثراً سلبياً عميقاً، تلك التي تنطوي على سوء فهم أو تشدد مفرط في تطبيق التعليمات. في حالات متفرقة، طُلب من سائحات ارتداء غطاء إضافي للملابس، أو مُنع الزوار من التصوير في أماكن عامة دون مبرر واضح. قد يكون الهدف حماية الذوق العام أو الحفاظ على الأمن، لكن الطريقة التي تُنفذ بها هذه التعليمات أحياناً تُشعر السائح بأنه غير مرحب به، أو أنه تحت الوصاية.

مصر بلد كبير، وتعدد الثقافات فيه يجب أن يكون مصدر قوة لا مصدر توتر. نحن بحاجة إلى قواعد واضحة، تطبق باحترام ووعي بثقافة الزائر، مع تدريب من يتعاملون مع السياح على التواصل الإيجابي، لا التسلط أو التوبيخ.

أمثلة يمكن الاستلهام منها

إسبانيا طورت “السياحة الريفية” و”سياحة الطهي”، فباتت قرى صغيرة تجذب آلاف الزوار سنوياً. تركيا نجحت في تسويق تجربة “الحمام التركي” كجزء من هويتها. دبي تحولت إلى وجهة عالمية رغم افتقارها إلى آثار تاريخية، عبر الاستثمار في الراحة، والأمان، والتجربة الكاملة للزائر. ماذا لو طوّرنا نموذجاً مصرياً متكاملاً يشمل التاريخ، النيل، الصحراء، وسحر الإنسان المصري نفسه؟

السياحة مشروع وطني يستحق الطموح

إذا تعاملنا مع السياحة كأولوية وطنية، وخططنا لها كما نخطط لمشروعات البنية التحتية الكبرى، يمكن أن يتحقق الحلم. مصر لا ينقصها السحر، بل الإدارة. فلنُدر السياحة كصناعة إستراتيجية، لا كمصدر دخل جانبي.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة