حماية مجتمعية.. رؤية جديدة

29-4-2025 | 14:42

قادتني الظروف إلى المشاركة في جولة بمركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان، وهي تجربة استمرت لساعات غيرت تمامًا رؤيتي للسجون التي رسمتها كاميرات المخرجين في الأعمال الدرامية والسينمائية. 

فلطالما كانت الصورة النمطية للسجون مرتبطة بمشاهد يغلفها السوء والمعاناة، وتُظهر بنية تحتية متهالكة، وخدمات سيئة، ومطابخ وطرق تقديم الطعام تفتقر إلى المعايير الصحية، وغير ذلك من المشاهد التي تدعو للشفقة.

ولكن سرعان ما تبددت هذه الصورة تمامًا لما شاهدته على أرض الواقع في مركز الإصلاح والتأهيل والذي كان مختلفًا تمامًا عن الصورة القاتمة القديمة، فتبددت تلك الصور النمطية، وشعرت بمدى الفارق الذي طرأ على البيئة الداخلية، التي أصبح التعايش فيها وفق معايير حديثة تراعي حقوق الإنسان.

إن مركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان يعتبر نموذجًا رائدًا للتحول في مفهوم العقاب، ويعكس رؤية وزارة الداخلية في بناء جمهورية جديدة ترتكز إلى حقوق الإنسان. 

مع تعديل مسمى مصلحة السجون إلى قطاع "الحماية المجتمعية" تحولت فكرة السجن من مكان يعاقب فيه المجرم إلى مؤسسة مهيأة لإصلاحه وتأهيله، بدءًا من تغيير اسم السجن إلى مركز إصلاح وتأهيل، وتغيير كلمة سجين إلى نزيل، وتغيير اسم مصلحة السجون إلى قطاع الحماية المجتمعية، وهو ما يمثل تحولًا بوزارة الداخلية من جهاز لحفظ الأمن فقط، إلى منظومة متكاملة للرعاية، وتحقيق التنمية المجتمعية المستدامة، وإعادة تأهيل النزلاء برؤية إنسانية، وهذا التحول يعزز من دورها كجهة مسئولة عن حماية الحقوق والكرامة الإنسانية.

لقد غيرت زيارتي لمركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان تصوري عن السجون بشكل جذري، فما رأيته يظهر أنها أصبحت بالفعل أماكن للإصلاح والتأهيل، وليست فقط للعقاب.

ولمست في الجولة، بمركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان، أن فلسفة الإصلاح التي تتبناها الإدارة تركز على إعادة تأهيل النزلاء؛ من خلال برامج تعليمية وتدريبية، مما يساعدهم على اكتساب مهارات جديدة تؤهلهم للاندماج في المجتمع بعد انتهاء فترة العقوبة، وتعتبر هذه الجهود جزءًا من إستراتيجية شاملة تهدف إلى تحويل النزيل إلى فرد نافع للمجتمع، فشاهدت، مع كل من شارك بالجولة بداخل مركز الإصلاح والتأهيل، الأنشطة والمشروعات الإنتاجية المبهرة التي تعزز من قدرة النزلاء على العمل وكسب الرزق؛ فهناك مزارع للإنتاج الزراعي ومشروعات صناعية، ومعارض فنية للرسوم والنحت، وكل ألوان الفنون وتنمية المواهب، بالإضافة إلى قاعات دراسية تتيح للنزلاء الفرصة لمواصلة تعليمهم.

شاهدت بعيني مركزًا طبيًا عملاقًا وأطباء للمرضى بدنيًا ونفسيًا، ووجدت جهودًا مبذولة تعد نموذجًا يحتذى به في التزام الدولة بتحسين حقوق الإنسان، وإعادة تأهيل الأفراد؛ مما يعزز من شعور النزلاء بالكرامة ويعطيهم الأمل في مستقبل أفضل.

إن هذا التحول يعتبر خطوة مهمة نحو عودة النزلاء إلى طريق الصواب من خلال ما يقوم به قطاع الحماية المجتمعية، الذي يستخدم أحدث الأساليب التكنولوجية؛ لضمان توفير بيئة مناسبة لهم، ويهدف إلى تحقيق التكامل بين الرعاية الاجتماعية والنفسية، ويسهم في إعادة دمجهم في المجتمع بعد انتهاء فترة العقوبة، وهو ما يسير وفق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي تأكيدًا لأهمية الاستثمار في الإنسان.

هذا التحول الذي أبهرني في مركز تأهيل وإصلاح العاشر من رمضان لا يعكس فقط تغييرًا في الشكل أو المصطلحات والمسميات، بل هو تجسيد لرؤية جديدة تتماشى مع متطلبات الجمهورية الجديدة، التي تسعى إلى تحسين ظروف النزلاء، وتعزيز حقوقهم بعد تطوير قطاع الحماية المجتمعية.

ما جعل من مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة مثالًا للمؤسسات العقابية التي تعكس روح التطوير والتحديث، وتمثل بيئات تعليمية تهدف إلى تحقيق إصلاح حقيقي بتغيير سلوك النزلاء، وتهيئتهم للعودة إلى المجتمع كأفراد فاعلين ومفيدين.

لو لم أشاهد بعيني تلك الطفرة الإنسانية المجتمعية بمركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان، لم أكن لأصدق هذا التغيير الجذري في مفهوم التعامل مع نزلاء مراكز التأهيل، ومن هنا أقدم دعوة لصناع الفن وكاميرات البرامج؛ لتقديم الصورة الحقيقية والواقعية التي تساهم في تصحيح المنظور التقليدي، وإبراز التطور النوعي الذي يتم حاليًا في آليات العمل؛ ليثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن وزارة الداخلية تؤكد يومًا بعد يوم، اتخاذها خطوات واسعة وملموسة؛ لتكريس مفهوم الأمن الشامل، والمتكامل مع حقوق الإنسان؛ وذلك في إطار جهود بناء الجمهورية الجديدة.

تلك الكلمات بعض من مشاهد كثيرة تدعو للأمل والتفاؤل خلال جولة بمركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة