سانشيز يمنع السلاح وماكرون يعترف بفلسطين

30-4-2025 | 13:23

ثمة نهوض ملحوظ من داخل أوروبا، وبات الآن هناك ساسة "يجرؤون على الكلام" في وجه اللوبي الصهيوني، وفي مواجهة الإدارة الأمريكية، ومن المأمول أن ينهض تكتل الدول الأوروبية جنوب المتوسط داخل الاتحاد الأوروبي، وفي المقدمة إسبانيا وفرنسا، في دفع دول الاتحاد بقوة نحو "خريطة طريق" لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفرض عقوبات على نظام الاحتلال الإسرائيلي الذي يخوض حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني. 

وثمة آمال كبيرة في قيادة أوروبا جهود إقامة الدولة الفلسطينية، ويترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية الشهر المقبل بالرياض قمة التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، ممثلًا للدول العربية والإسلامية والأوروبيين، والبالغ عددهم 149 دولة، حيث اتفق الجميع على إيجاد موقف لحل الدولتين. 

وقال وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث "يجب على المجتمع الدولي أن يبذل المزيد من الجهد لضمان أن يصبح حل الدولتين واقعًا،" وحث المشاركين في مؤتمر تمهيدي للقمة ببلاده على التوصل لطرق مبتكرة لتعزيز المؤسسات الفلسطينية وتسريع عملية بناء الدولة، مؤكدًا أن الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير هو أساس تحقيق السلام الدائم. 

وارتفعت الآمال مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزم فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والذي يأتي بعد إعلان كل من النرويج وإيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا العام الماضي الاعتراف بدولة فلسطين، وبذلك يرتفع عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المعترفة بفلسطين إلى 12 من أصل 27 دولة. 

وقد أصبحت السويد في عام 2014 أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف بدولة فلسطينية، علمًا بأن الدول الأخرى هي مالطا وقبرص، وسبق أن اعترفت بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا وبولندا ورومانيا بفلسطين عام 1988 قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. 

وفي الواقع فإن النقاش حول الدور الأوروبي في العالم والمنطقة العربية قديم، وتبلور بشكل واضح في عهد الجنرال ديغول الذي حاول أن يبني قوة فرنسية وأوروبية مستقلة عن أمريكا والاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، واتخذ مواقف مؤيدة للحقوق العربية والفلسطينية. 

كما أن الذاكرة العربية تحمل ذكريات جيدة لرئيس الوزراء الإسباني الشهير فيليبي غونزاليس، ومنذ ذلك التاريخ والجدل حول الدور الأوروبي في المنطقة قائم، وتعلقت الآمال دومًا على إسبانيا وفرنسا؛ سواء في عهد الرئيسين الكبيرين فرانسوا ميتران أو جاك شيراك، اللذين دعما بشكل واضح الحقوق الفلسطينية وانتقدا في مواقف كثيرة السياسات الإسرائيلية، بل أدانا بعضها في مجلس الأمن، أو في عهد الرئيس الحالي ماكرون، الذي أعلن في أكثر من مناسبة إدانته استئناف إسرائيل عدوانها على غزة، وقال إنه ينوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر يونيو المقبل. 

وقد عبر الرئيس الفرنسي ماكرون بشكل واضح عن موقفه مما يجري في غزة بكلام إنساني طيب أثناء زيارته المصابين الفلسطينيين في مستشفى العريش، وأعلن رفضه استهداف المدنيين، وحمّل إسرائيل مسئولية استئناف العدوان على غزة، وفي هذه المرحلة الدقيقة في الشرق الأوسط، فإن العالم العربي يراقب سلوك أوروبا، وما إذا كانت سوف ترتقي لمعاييرها الأخلاقية، أم ستلجأ "لازدواجية المعايير". 

ومن الإنصاف أن نسجل أن إسبانيا كانت من أوائل الدول الرافضة مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. 

وفي تصريح لافت شدّد وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، على أن "غزة ملك للشعب الفلسطيني الذي يعيش فيها، ويجب أن يبقى الفلسطينيون هناك، وعلينا أن نساعدهم على إعادة بناء حياة جديدة". وأكدت المصادر الإسبانية العليمة أن الحزب الاشتراكي الذي يتزعّمه رئيس الوزراء بيدرو سانشيز وحليفه ائتلاف "سومار" اليساري "ملتزمان بقوة بالقضية الفلسطينية". 

واتساقًا مع هذه السياسة ألغت إسبانيا صفقة سلاح مع "إسرائيل" تحت ضغط سياسي داخلي، وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن إلغاء حكومة مدريد صفقة ذخيرة مع شركة إسرائيلية بقيمة 6.6 ملايين يورو تحت "ضغط سياسي داخلي من وزراء الحكومة" بسبب الحرب على غزة. 

ولفت الإعلام الإسرائيلي إلى أن الضغط الشعبي والسياسي لإلغاء الصفقة جاء بسبب أن الحكومة "لم تلتزم بتعهّداتها بوقف تجارة السلاح مع الشركات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر 2023". 

وفي الوقت الحالي نشهد شخصيات وأحزابًا سياسية غربية مساندة لفلسطين ضد التيار المساند لإسرائيل، مخالفة بذلك المواقف الرسمية والتوجهات السياسية لبلدانها، المتراوحة بين الدعم العلني والمباشر للاحتلال الإسرائيلي وسياسة التغاضي عن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، والدعوة إلى التهدئة رغم اختلاف موازين القوى بين الجانبين. 

ومن أبرز هذه الشخصيات:
- جيرمي كوربن، الرئيس السابق لحزب العمال البريطاني في الفترة ما بين 2015-2020.
- كين ليفنغستون، سياسي بريطاني ينتمي لحزب العمال، تولى منصب عمدة مدينة لندن، واتهم إسرائيل بسياسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين عن طريق تهجيرهم من الأرض التي عاشوا فيها منذ قرون باستخدام العنف المنظم.
- جان لوك ميلانشون، سياسي فرنسي يساري، ترشح باسم حركة "فرنسا الأبية" للانتخابات الرئاسية لعام 2017، ويطلق عليه مناصروه لقب "شافيز فرنسا". وبرز موقفه خصوصًا خلال العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023 على قطاع غزة، واعتبر بذلك أحد الضمائر التي ما زالت حية في فرنسا وأوروبا.
- توناهان كوزو، نائب في البرلمان الهولندي وعضو بالمجلس البلدي لمدينة لاهاي الهولندية، يتزعم حركة "دينك" السياسية المناهضة للعنصرية، لدعم حقوق المهاجرين. وعرف بمواقفه المساندة للقضية الفلسطينية، خاصة عندما رفض مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته للبرلمان الهولندي سنة 2016، وكان كوزو يومها حاملًا شارة العلم الفلسطيني على بدلته.
- مايك والاس، نائب أيرلندي في البرلمان الأوروبي وناشط سلام، طالما نادى بضرورة جلاء الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية.
- جورج غالاوي، سياسي بريطاني ونائب سابق في البرلمان الإنجليزي بين عامي 1987 و2010، معروف بآرائه المناهضة للحرب وبمناصرته القضية الفلسطينية. 

ويبقى أن المرحلة الراهنة تتطلب وقف الإبادة في غزة، والعمل بقوة لمنع بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، والمبادرة بوضع علامات على البضائع المنتجة في المستوطنات، والعمل على جعل هذا الأمر إجباريًا في الاتحاد الأوروبي، ومنع الشركات الأوروبية من الاستثمار في المستوطنات الإسرائيلية، والضغط على إسرائيل من أجل الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وحصار إسرائيل، ونشر قوات حفظ سلام، وإقامة الدولة الفلسطينية. 

ويرى البعض أنه لا ينبغي التعويل على أوروبا، وأنه رغم قوة تصريحات ماكرون وموقفه القاطع من ضرورة وقف الحرب، إلا أنه لن يستطيع تنفيذ ما قال إلا إذا كان هناك دعم أمريكي لهذه السياسات، أو قدرة عربية موحدة قادرة على فرض معطيات جديدة تقنع المجتمع الدولي والولايات المتحدة بضرورة وقف إطلاق النار، وفرض التسوية السياسية، وحل الدولتين. ويذهب هؤلاء إلى أن قدرات أوروبا حاليًا لا تسمح لها بأن تبني مسارًا تفرضه على المجتمع الدولي، إنما يمكن أن تعدل أو تحسن من شروط مسار قائم، وإن دورها سيظل مهمًا في هذه المساحة، وأن الموقف الأوروبي يفيد في تغيير الموقف الأمريكي، أو في تعديل ولو جانب من المنظومة العالمية، لكنه غير قادر على خلق بديل لها، ويجب عدم النظر إلى الدور الأوروبي على أنه قادر على بناء بديل للمنظومة السائدة حاليًا التي تقودها الولايات المتحدة، وتنافسها من بعيد الصين، وروسيا، ووفقًا لهذه الرؤية يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون منافسًا إذا بنى كيانًا موحدًا سياسيًا وعسكريًا وليس فقط تحالفًا اقتصاديًا. 

وعلى الرغم من ذلك فإن أوروبا، وخاصة دولها الوازنة تتحرك نحو الحقوق الفلسطينية، وينبغي النظر لأهمية الاعتراف ليس فقط عبر عدد الدول التي تتخذ هذا القرار، بل أيضًا عبر وزنها وتأثيرها، وتوصف إسبانيا بأنها الدولة الأكثر تأثيرًا في الاتحاد الأوروبي من بين الدول المعترفة أخيرًا بفلسطين، وذلك بالإضافة إلى فرنسا. 

ويعتقد خبراء القانون أن الخطوات الأخيرة من الدول الأوروبية تعد مؤشرًا على أن العالم يتجه "نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية قريبًا".

ورغم كل شيء فإن هناك إرهاصات قوية لحركة أوروبية، سواء على مستوى الشارع والجامعات والجيل الجديد باتجاه دعم قوي للقضية الفلسطينية. 

ونشهد اليوم تفهمًا أكبر من الساسة والنخب الأوروبية، وتفاهمات بضرورة حل النزاع المزمن في الشرق الأوسط، وأمل بأن لحظة مختلفة ربما فرضتها مأساة غزة، وربما تحرك الضمائر، وتغير المعادلات في أوروبا والشرق الأوسط.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: