100 يوم ترامب.. العالم رهين صفقة

27-4-2025 | 15:46

"لعبة في يده".. هكذا صار يتعامل ترامب مع العالم في أول 100 يوم منذ عودته للبيت الأبيض رئيسًا للولايات المتحدة.. أحدث انقلابًا جيوسياسيًا من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، فعلى غرار الكرة في لعبة الهوكي المفضلة لديه أصبح الرئيس الأمريكي ترامب يقذف دول العالم بعنف، كما يضرب الكرة بمضرب الهوكي غير عابئ بالتداعيات ولا مكترث بالمخاطر.. بل يكفيه ويزيده تمسكًا ونشوة بلعبته وضرباته فلاشات الكاميرات التي تمده بالفخر والزهو بنفسه حين يرى صوره وهو يوقع الأوامر التنفيذية لسياساته، وحين يطالع اسمه يتصدر النشرات وعناوين الصحف الكبرى وواجهة الترندات العالمية.. لا شيء يهم.. ولا قيمة للنتائج وإن كانت كارثية.. الوعود يمكن أن تتبدل، والقرارات ربما تتبخر.. لكن ترامب هو من قبل ومن بعد صاحب الرأي السديد والحكم الرشيد.

مائة يوم من الغضب والعنف والتهديد والوعيد والابتزاز أيضًا.. حتى أبناء وطنه لم يسلموا من صهد السياسة الترامبية اللافحة من فصل للموظفين وإلغاء لوزارة التعليم وطرد للطلاب الوافدين والدخول في صراع مع السلطة القضائية، حتى جامعة هارفارد العريقة لم تسلم من غضب ترامب، بعد أن حرمها من التمويل، بزعم تواطؤ إدارتها مع الطلاب المتظاهرين ضد الحرب على غزة، حتى وإن كان رئيس الجامعة يهوديًا!!

مائة يوم فقط كانت كفيلة بالكشف عن نسخة ترامب المعدلة الذي اتخذ من شعار "أمريكا أولًا" سلاحًا لفرض رؤيته الأحادية على العالم، والجنوح بأفكاره الصادمة ومغامراته غير المحسوبة، إلى حد بات يشكل خطرًا على أمن الشعوب. 

فقد فاجأ العالم بفرض رسوم جمركية شاملة على الدول الأصدقاء والأعداء؛ مما تسبب في هزات كبرى بالأسواق وخسائر فادحة للاقتصاديات الدولية، كما سعى إلى تهميش الأوروبيين، وقام بخفض المساعدات الخارجية، وانسحب من منظمات دولية في مقدمتها منظمة الصحة العالمية واتفاقية المناخ.. وهدد بضم دول والسيطرة على ممرات مائية وفي المقابل تواطأ مع إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني بغزة ومدها بالسلاح الفتاك، وتبخر وعده بوقف الحرب أمام صفقات ممولي حملته الانتخابية من اللوبي اليهودي.

مائة يوم كانت كفيلة أن تحدد ملامح مستقبل العالم في السنوات الأربع المقبلة التي سيقضيها ترامب في البيت الأبيض.. وربما من يراجع تاريخ هذا الرجل وثقافته وفلسفته في الحياة، كمطور عقاري، لن يجد مشقة في التحليل ولا عناء في الاستنتاج فهو يجيد التعامل وفق أسلوب الصفقات المعتمد على الابتزاز، ولعل كتابه الأول والأشهر "فن الصفقة" الذي نشره عام 1987 يفك الكثير من الشفرات في شخصية ترامب، ويجيب عن الكثير من التساؤلات حول تصرفاته الصادمة لدى البعض.. حيث يعتقد ترامب أن الصفقة الناجحة تعتمد على مهارات الإقناع، واختيار التوقيت السليم، والقدرة على التحكم في الرأي العام، والأخطر من ذلك أن ترامب يعترف في هذا الكتاب أن ما أسماه إستراتيجيته "التضخيم الصادق" جزءًا مهمًا من فلسفته، حيث يشير إلى أن المزج بين المبالغة والتفاؤل يمكّنه من خلق اهتمام بمشروعاته، فمن خلال هذا النهج، يستطيع تشكيل تصورات إيجابية عن مشاريعه وزيادة قيمتها، وتحقيق زخم يعزز النجاح.

وإذا ما أسقطنا هذا الكلام على ما يتخذه من قرارات سيتأكد أننا أمام شخصية غير طبيعية؛ فهو يتبع أسلوب الصدمة في القرارات أو التصريحات وهو ما يسميه "التضخيم" في الكتاب، وذلك حتى يصل للحد الأدنى الذي يريده وهنا يستخدم الابتزاز.. كما يفعل مع الصين حاليًا فيما يتعلق بالرسوم الجمركية إذ قرر تحديد 245 % رسومًا على الواردات الصينية، ويطلب التفاوض، وكذا مع أوروبا وغيرها من الدول.. كما هدد بضم كندا واحتلال قناة بنما، ثم بدأ التفاوض لإقرار صفقة.. ومع أوكرانيا هدد بوقف المساعدات، ثم قرر الدخول في صفقة للحصول على المعادن النادرة من أوكرانيا لحد وصل إلى الابتزاز.

مشاهد كثيرة وحالات عديدة تبرهن على عصر ترامبي للصفقات والابتزاز بدأت تتبلور ملامحه في 100 يوم، والمؤكد أننا أمام عالم مختلف في عهد ترامب، ستحمل أيامه المزيد من المفاجآت والصدمات والتقلبات، فهو شخص لا يمكن التنبؤ بما يقوله أو يتخذه فهو يعتقد أنه الوحيد صاحب الرأي الصواب والرؤية الثاقبة زاعمًا أن العالم كان يسرق الولايات المتحدة، وأصبح اليوم مطالبًا بإبرام صفقة يدفع فيها كل ما تطلبه واشنطن.

وأختتم بما جاء في كتاب "المعتوه" للمديرة السابقة للاتصالات في إدارة البيت الأبيض للعلاقات مع المنظمات العامة أوماروسا مانيجولت نيومان، خلال ولاية ترامب الأولى؛ حيث قالت في هذا الكتاب أن دونالد ترامب قبل تنصيبه في واشنطن في 20 يناير 2017 في ولايته الأولى أراد أن يقسم اليمين الدستورية واضعًا يده على كتابه "فن الصفقة" بدلاً من الإنجيل المقدس.

ووفقًا لـ مانيجولت-نيومان، سألها ترامب عن رأيها في ذلك. ونقلت في كتابها "Unhinged" أي "المعتوه" عن الرئيس قوله: "هذا أعظم كتاب عن الأعمال في التاريخ". وإن من شأن القسم عليه أن يرمز إلى أنه سيحقق "صفقات ممتازة للبلاد"، واعتبر أيضًا أن هذا سيزيد من مبيعات الكتاب، حسب قول المساعدة الرئاسية السابقة، وتستكمل أنه نتيجة لجهودها مع غيرها من مساعدي الرئيس أمكن إقناع ترامب بأن يؤدي اليمين الدستورية بالقسم على الكتاب المقدس عند تنصيبه. 

وفي وقت لاحق حاول ترامب إنكار ذلك وقال إنه كان يمازحها ومع ذلك، أكدت مانيجولت - نيومان، أنها كانت على يقين أن ترامب كان جادًا في اقتراحه هذه الفكرة.

 [email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة